صلاح جاهينثورة فى ضمير شاعر

صلاح جاهين..ثورة فى ضمير شاعر

صلاح جاهين..ثورة فى ضمير شاعر

 العرب اليوم -

صلاح جاهينثورة فى ضمير شاعر

بقلم : فاروق جويدة

 من أصعب الأشياء فى عالم الكتابة أن تكون قادرًا على منح الناس ابتسامة شعرًا أو نثرًا، ومن أندر النماذج شاعر لديه القدرة أن يصنع لك عالمًا من البهجة.. ومعظم الشعراء يسكنهم الحزن، ولكن كان لدينا شاعر تفرد بأن يقدم للناس فرحة تحتويهم وتسافر بهم فى عالم من البهجة، إنه شاعرنا الجميل صلاح جاهين..


ـــــ كان صلاح يقدم ابتسامة الصباح على صفحات الأهرام، واعتاد القارئ هذا اللقاء الممتع ، وفى أحيان كثيرة كان صلاح يداعب القارئ بأبيات ساخرة وربما حزينة، ولكن كانت لديه قدرة عجيبة أن يحمل القارئ حيث يريد.. عرفت صلاح فى أيامه الأخيرة، وكان بهاء ابنه قد انضم للعمل فى الأهرام فى الأقسام الثقافية، بعد أن ترك التدريس فى الجامعة، وكنت أعرف بهاء شاعرًا قبل أن يصبح زميلًا فى الأهرام.. كانت نقطة ضعفى مع بهاء أن صلاح اتصل بى وأوصانى على بهاء، ورحل بعد أيام، وكان هذا آخر حديث بيننا..
ـــــ احترت كثيرًا فى مشوار صلاح جاهين : هل هو الثائر أم المتمرد والمشاغب؟ هل كان مكسبًا لثورة يوليو أم كانت عبئًا عليه تاريخًا وإبداعًا؟ فى فترة من عمره كان صوتًا للثورة وزعيمها جمال عبدالناصر، ودُفِع به إلى مقدمة الموكب فى أغانٍ حشدت الملايين وألهبت المشاعر، وكانت أكبر ما قدمته الأغنية المصرية للثوار.. دخل فى هذا السباق كمال الطويل والفارس الصاعد عبد الحليم حافظ. وللأمانة فإن صلاح جاهين قدم للثورة أجمل ما شدت به الأغنية فى فترة لا تُنسى من تاريخ الكفاح الوطنى فى عصر الانتصارات قبل نكسة 67 التى غيرت مواقف وحسابات كثيرة.. لم يتراجع صلاح جاهين عن مواقفه مع الثوار، وأصبح واحدًا منهم وصوتًا لهم .. وفى تقديرى أن صلاح كان مؤمنًا بما فعل ، وهو لم يخطئ، إنها اختياراته حتى وإن دفع الثمن..

ـــــ وكانت أغانى صلاح جاهين عن الثورة خالدة فى وجدان المصريين، مثل «إحنا الشعب» التى لحنها كمال الطويل، وكانت من أوائل الأغانى التى أعلنت بوضوح تأييد الشعب لثورة يوليو. وتلتها أغنية «صورة»، التى وثقت إنجازات الثورة، ثم جاءت أغنية «بالأحضان» التى جسدت مشاعر الوحدة العربية، وأغنية «ثوار» التى تغنت بها أم كلثوم ثم أغنية «والله زمان يا سلاحى», و«راجعين بقوة السلاح»، و«يا أهلاً بالمعارك».

ـــــ كانت تجربة صلاح فى الأهرام أفضل وأجمل مراحل إبداعه، فقد تحول إلى مدرسة تعلمت منها مؤسسات صحفية مصرية وعربية.. وبقى صلاح أحد رواد فن الكاريكاتير فى الصحافة العربية.. فى لوحات صلاح فى الأهرام كنت تجد المناضل الحقيقى وصاحب الفكر والفنان المبدع.. كان صلاح يقدم كل يوم الفن والفكر والنقد، وكان يشعر فى ذلك أن هذا دوره الحقيقى فى نشر الوعى وتأكيد القيمة، والإيمان أن للحرية ألف طريق غير سراديب السلطة وأصحاب القرار..

ـــــ كان صلاح يحمل أكثر من موهبة، ودخل عالم التمثيل وهرب منه مبكرًا، فهو مثل فى عدة أفلام، منها «اللص والكلاب» و «من غير ميعاد» و«لا وقت للحب» كما أسر القلوب بصوته الرنان كراوٍ فى فيلمى شفيقة ومتولى والمماليك، وترك أثرًا خالدًا بصوته فى تتر فيلم الزوجة الثانية.
بل كان أحد أهم من كتب للسينما المصرية كلمات وأغانٍى خالدة، فهو صاحب أوبريت «الليلة الكبيرة» وكان كاتب سيناريو وأغانى أفلام أصبحت علامات فى تاريخ الشاشة، مثل «خلى بالك من زوزو» و«أميرة حبى أنا»، و«عودة الابن الضال»، و«شفيقة ومتولى» و«المتوحشة».. وارتبط اسم صلاح جاهين بكل ما هو جميل فى ذاكرة السينما والتليفزيون المصرى، فقد أمتع الجمهور بكلمات الفوازير للفنانة نيللى وكلمات أغان لها صدى مثل «الدنيا ربيع» و«بانو بانو» لسعاد حسنى.
جربنا الحلو المتعايق أبو دم خفيف
وبقينا معاه إخوة شقايق فاكرينه شريف
أتاريه مش كده على طول الخط
الطبع الردى من جواه نط
خلاص بقى مهما انشال وانحط
مفيش دمعة حزن عشانه
بانو أيوه بانو


ـــــ كانت له تجربة فريدة مع المسلسل البديع «هو وهي» اشترك فيه مع الصديقة المتألقة سناء البيسي، وقد نجح نجاحًا مبهرًا، خاصة أنه جمع سعاد حسنى مع أحمد زكي، هو مسلسل درامى يتناول قضايا المرأة والرجل بقصص حياتية ممزوجة باستعراضات و كتب فيه للأم واحدة من أجمل أغانى عيد الأم «صباح الخير يا مولاتى» وكتب للبنات «البنات البنات ألطف الكائنات» وكان المسلسل بداية رائعة للتعاون بين سناء البيسى وصلاح جاهين على صفحات الأهرام..
ـــــ لم يلتزم جاهين باتجاه واحد فى كتابة أشعاره وأغانيه، بل كان يكتب ما يشعر به، فجاءت كلماته صادقة .. وتجربته الشعرية  تميزت بالجمع بين البساطة وعمق المعني، وتناولت قضايا وطنية وإنسانية واجتماعية بأسلوب شعرى موسيقي، خاصة فى أشعاره بالعامية المصرية، مثل رباعيات صلاح جاهين وكان من أشهرها الرباعية التى كانت ترددها الإذاعية إيناس جوهر
غمّض عينيك وامشى بخفّة ودلع..
الدنيا هى الشابّة وأنت الجدع..
تشوف رشاقة خطوتك تعبدك..
لكن أنت لو بصيت لرجليك تقع..
عجبى !!


كانت  مسيرتة مختلفة ، فهو الشاعر الشعبى البارز الذى ارتبط اسمه بالهوية والتراث، وهو الذى عاش قضايا وطنه وأمته، وهو أيضا كان لسان البسطاء..
أنا قلبى كان شخشيخة أصبح جَرس
جلجلت به صحيوا الخدم والحرس
أنا المهرج .. قمتو ليه خفتو ليه
لا فْ إيدى سيف ولا تحت منى فرس
عجبى !!


ـــــ هناك مواهب ظلمت مبدعيها، لأن التعددية أحيانًا تجعل المبدع حائرًا على أى الشواطئ يرسو.. كان صلاح جاهين شاعرًا مميزًا، له لغته الخاصة وجملته الشعرية المميزة، وقد تفرد بخفة ظل فى قاموسه الشعري، وقدم عامية فريدة.. وكان رسام كاريكاتير من طراز رفيع، بل فى صدارة رسامى الكاريكاتير فى مصر والعالم العربي، وبجانب هذا كان من كتاب السيناريو المميزين.. وكان يجيد اكتشاف المواهب، ابتداءً بسعاد حسنى وأحمد زكي، وانتهاءً بأصوات غنائية أجادت ونجحت.. وكان الشعر أجمل وأبقى مواهبه، وكان من الممكن أن يعطى موهبته مساحة أولى بها،.. هذه المواهب أخذت صلاح فى أكثر من طريق، وقد أجاد فيها جميعًا، وإن بقى الشعر صاحب الرصيد الأكبر فى تاريخه الإبداعي..

ـــــ دخل صلاح جاهين معارك كثيرة، كان أخطرها معركته مع عدد من مشايخنا الأجلاء، مثل الشعراوى والغزالي، ودخل فيها توفيق الحكيم وزكى نجيب محمود ويوسف إدريس.. وكان صلاح مقاتلًا شرسًا وخاض معارك كثيرة تحت راية الحرية والفن والإبداع.. وهناك أيضًا من انتقد مواقفه المؤيدة للثورة، رغم كل ما أصابها من الانكسارات، وهذا موقف لا يُحسب عليه رفضًا أو تأييدًا.

ـــــ كانت فترة اللقاء بيننا قليلة، لأن المرحلة الأولى من مشواره سرقتها الثورة، والمراحل الأخرى كانت مشاغبات وعواصف، ولكننى رغم قِصر السنوات قدّرت مشواره ثائرًا ومبدعًا وفنانًا، وترك لنا شاعرًا جميلًا هو الشاعر بهاء جاهين، وقد رافقنى سنوات فى رحلة العمر.


..ويبقى الشعر


مَاذا أخذتَ مِنَ السَّفـَرْ..
كـُلُّ البلادِ تـَشَابَهَتْ فى القهْر..
فى الحِرْمانِ.. فى قـَتـْل البَشَرْ..
كـُلُّ العيُون تشَابَهتْ فى الزَّيفِ.
فى الأحزان ِ.. فىَ رَجْم القـَمَرْ
كل الوُجوهِ تـَشابَهتْ فى الخوْفِ
فى الترحَال.. فى دَفـْن الزَّهَرْ
صَوْتُ الجَمَاجـِم فى سُجُون اللـَّيل
والجَلادُ يَعْصِفُ كالقـَدَر ..
دَمُ الضَّحَايَا فـَوقَ أرْصِفـَةِ الشـَّوارع
فى البُيوتِ.. وفى تجاعيدِ الصَّورْ..
مَاذا أخـَذتَ منَ السَّفـَر ؟
مَازلتَ تـَحلـُمُ باللــُّيالى البيض
والدِّفْء المعَطـّر والسَّهَرْ
تـَشـْتـَاقُ أيامَ الصَّبابَةِ
ضَاعَ عَهْدُ العِشْق وانـْتـَحَر الوَتـَرْ
مَازلتَ عُصفـُورًا كسِير القـَلـْبِ
يشدُو فـَوْقَ أشـْلاءِ الشَّجَرْ
جَفَّ الرَّبيعُ..
خـَزائِنُ الأنـَهار خـَاصَمَها المَطـَرْ
والفـَارسُ المِقـْدامُ فى صَمت
تـراجَعَ.. وانتحَرْ ..
مَاذا أخـَذْتَ مِنَ السّفـَر ؟
كـُلُّ القصَائِدِ فى العُيُون السُّودِ
آخرُهَا السَّفـَر ..
كلُّ الحَكايَا بَعْدَ مَوْتِ الفـَجْر
آخرُها السَّفـَر ..
أطـْلالُ حُلمِكَ تـَحْتَ أقدام السِّنِين..
وَفى شـُقـُوق ِ العُمْر.
آخُرها السَّفـَر ..
هَذِى الدُّمُوعُ وإنْ غَدَت
فى الأفق ِ أمطـَارًا وزَهْرًا
كانَ آخَرُهَا السَّفـَر
كـُلُّ الأجـِنـَّةِ فى ضَمِير الحُلـْم
ماتـَتْ قـَبْـلَ أن تـَأتِى
وَكـُلُّ رُفـَاتِ أحْلامِى سَفـَر ..
بالرَّغـْم مِنْ هَذا تـَحنُّ إلى السَّفـَر؟!
مَاذا أخذْتَ مِنَ السَّفـَر؟
حَاولتَ يومًا أن تـَشُقَّ النـَّهْر
خَانـَتـْـكَ الإرَادَهْ
حَاوَلتَ أنْ تـَبنِى قـُصورَ الحُلـْم
فى زَمن ِ البَلادَهْ
النبضُ فى الأعْمَاق يَسقـُط كالشُّموس الغَاربهْ
والعُمْر فى بَحْر الضَّياع الآنَ ألقـَى رأسَه
فـَوقَ الأمَانِى الشـَّاحِبهْ ..
شَاهَدْتَ أدْوارَ البَراءةِ والنذالةِ والكـَذِبْ
قـَامْرتَ بالأيام فى «سِيْركٍ» رَخيصٍ للـَّعِبْ .
والآنَ جئـْتَ تـُقيمُ وَسْط َ الحَانـَةِ السَّودَاءِ.. كـَعْبَهْ
هَذا زَمانٌ تـُخـْلـَعُ الأثوابُ فِيهِ..
وكلُّ أقدار الشُّعوبِ عَلى الـَموائِدِ بَعض لـُعْبهْ..
هَذا زَمانٌ كالحِذاء..
تـَراهُ فى قـَدَم المقـَامِر والمزَيِّفِ والسَّفِيهْ ..
هَذا زَمَانٌ يُدْفـَنُ الإنسَانُ فِى أشْلائِه حيّا
ويُقـْتلُ.. لـَيْسَ يَعرفُ قـَاتِليهْ..
هَذا زَمانٌ يَخـْنـُقُ الأقمَارَ ..
يَغـْتـَالُ الشُّمُوسَ..
يَغـُوصُ.. فى دَمِّ الضَّحَايَا ..
هَذا زَمَانٌ يَقـْطـَعُ الأشْجَارَ
يَمْتـَهنُ البرَاءَة َ
يَسْتـَبيحُ الفـَجْرَ.. يَسْتـَرضى البَغـَايَا
هَذا زَمَانٌ يَصلـُبُ الطـُّهْر الـَبرىءَ..
يُقيمُ عِيدًا.. للـْخـَطـَايَا ..
هَذا زَمَانُ الموْتِ ..
كـَيْفَ تـُقِيمُ فوقَ القـَبْر
عُرسًا للصَّبايَا ؟!
عُلبُ القمَامَة زينـُوهَا
رُبَّمَا تبْدو أمَامَ النـَّاس.. بُسْتـَانـًا نـَديّا
بَينَ القمَامَة لنْ ترَى.. ثوْبًا نـَقِيّا
فالأرْضُ حَوْلكَ.. ضَاجَعَتْ كلَّ الخطايَا
كيْفَ تحْلم أنْ تـَرى فيهَا.. نـَبيّا
كـُلُّ الحَكايَا.. كانَ آخرُهَا السَّفـَر
وَأنا تـَعِبْت مِنَ السَّفـَر.

arabstoday

GMT 15:25 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

عصا البرازيل التى تتكئ عليها!

GMT 14:58 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

“بيزنس” ترامب في أوكرانيا وغزّة

GMT 14:55 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

بين بشير الجميّل وأحمد الشرع

GMT 14:52 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

السّلاح باقٍ والكلّ خائفون… إلّا إسرائيل!

GMT 14:51 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

سوريا: “الإخوان” بين الإراحة والاستراحة!

GMT 14:48 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

صحوة سنّيّة متجدّدة… في ظروف إقليميّة مختلفة!

GMT 14:45 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

جنون إسرائيلي… في ظلّ غياب أميركي

GMT 14:42 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

سؤال الكفاءة وسؤال الشجاعة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صلاح جاهينثورة فى ضمير شاعر صلاح جاهينثورة فى ضمير شاعر



الجرأة تلتقي بالكلاسيكية النجمات يتألقن بتصاميم تحاكي الأنوثة والفخامة

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 11:10 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

أفضل 10 جزر في المالديف لعطلة شاطئية لا تُنسى
 العرب اليوم - أفضل 10 جزر في المالديف لعطلة شاطئية لا تُنسى

GMT 12:45 2025 الجمعة ,12 أيلول / سبتمبر

خمسة فيتامينات ضرورية لتعزيز نمو الشعر وكثافته
 العرب اليوم - خمسة فيتامينات ضرورية لتعزيز نمو الشعر وكثافته

GMT 21:52 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

7 علامات يومية تنذر بنوبة قلبية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab