بقلم : فاروق جويدة
تساقطت الأشياء من حولنا، كانت البداية أنها سقطت داخلنا، ثم أكمل الزمن دورته. حاول أن تتذكر كم كانت تحيطك أسراب البشر، وماذا بقى منهم؟ لن تجد إلا أقل القليل، وأصبحت الحياة خالية. حتى الطبيعة بخلت عليك، لم تعد الأشجار كما كانت، وغابت العصافير واختفت، وأصبح الهواء ثقيلاً، واختلفت المواسم. لم يعد الربيع ربيعاً، ولم يعد الصيف كما كان.. وسط هذا الفراغ غاب الأصدقاء وتركوا خلفهم شريطاً من الذكريات التى تثير الشجن وتوجع القلوب. حتى الأحباب كنت تجدهم حولك فى كل شيء، وانشغل كل واحد فى نفسه، وربما اكتفى برسالة قصيرة كل يوم عيد.. أحياناً أبحث عن أسراب العصافير التى كانت تصافحنى كل صباح، ولا أجد عصفوراً واحداً. إن غياب العصافير أصبح ظاهرة، وغياب الأصدقاء ترك فراغاً رهيباً، أما الأحباب فلا أمل فى رجوعهم.
أصعب الأشياء أن يحاصرك الخريف فى كل شيء، أن يصبح العمر قيداً، والصحة عبئاً، والأحلام زائراً غريباً. وتنظر حولك وتكتشف أن أجمل ما كان لديك قد تسرب فى غفلة منك، وتجلس وحيداً تسأل: كيف أسترد ما ضاع؟ ولا تجد حلاً غير أن تستعيد ذكري، أو تسمع أغنية، أو تطوف مع دفتر من الصور القديمة..
وتكتشف أن الوجوه تغيرت، والملامح لم تعد كما كانت، وأن الأحبة سافروا، والأصدقاء رحلوا، ويحتويك صمت غريب. وتتذكر شجرة كانت تصافحك، وعصافير كم أطربتك، وأماكن تغيرت، وناسا لا تعرف منهم أحداً.
أحياناً كنا نحب الوحدة، ولكن ما أصعب أن يجتمع الغياب مع الوحدة، وفى الأفق تحلق طيور الخريف..
أصعب الأشياء حين يحاصرنا الخريف أن الأفق يضيق، والضوء يغيب وإحساس بالوحشة والحزن يحتوينا..