بقلم - عبد المنعم سعيد
قبل سنوات، وفى مطلع إدارة الرئيس بايدن، جاء مشهد الخروج الأمريكى من أفغانستان مخزيا، ومؤذنا بحالة من الطلاق الدائم لواشنطن من الشرق الأوسط ومصائبه الكثيرة. لم يكن فى ذلك غير الاتفاق الضمنى ما بين الحزبين - الجمهورى والديمقراطى - على أن الوجود فى المنطقة يحتوى على لعنة أبدية بالإرهاب والفوضى والسير فى ركاب حروب لا تنتهى إلا بالعودة إلى نقطة البداية. حربا أفغانستان والعراق والتدخل الأمريكى فى كليهما أدى إلى عودة طالبان إلى السلطة كما لم تتركها قط فقد عادت بنفس السلوكيات السالفة تجاه الغرب والنساء والتمييز القبائلى.
لم تصل الديمقراطية إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكى وزوال حكم صدام حسين، وقام بدلا منها الإرهاب حتى أقام دولة «الخلافة الإسلامية» التى احتاجت تحالفا دوليا لكى يمكن التخلص منها. فى بقية المنطقة فشلت دول عديدة، وفى سوريا استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد الخصوم؛ وبدأت إيران فى نشر توابعها للدفاع المتقدم فى أربع عواصم عربية - بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء - مضافا لها برنامج نووى نشط. كان الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على حاله، اللهم إلا أن القيادة باتت مصطفاة من جماعات دينية راديكالية وفاشية.
وسط لحظة الفراق هذه، وعبر أكثر من إدارة أمريكية فإن العيون ذهبت إلى شرق آسيا حيث باتت الصين خصما يستدعى بناء تحالفات «الإندو باسفيك»، وجاءت الحرب الأوكرانية لكى تشتت الانتباه الأمريكى إلى القارة الأوروبية. ولكن الشرق الأوسط لا يتوقف عن القيام بما قام به لجذب الاهتمام الأمريكى حتى جاء رئيس جديد - دونالد ترامب - متأهبا للخروج والخصام مع بقية العالم.
المدهش أنه حتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض بات متورطا فى مفاوضات وقف إطلاق النار، ولم يمض مائة يوم حتى بات متورطا فى حرب غزة، متحالفا مع إسرائيل حتى الأعناق، وبعدها بقليل أضاف إلى معونات الحرب لإسرائيل شن الحرب فى البحر الأحمر وفى إيران؛ بينما يشارك ويشرف على محادثات وقف إطلاق النار.