من الساحل إلى الأطلسي طريق التنمية من أجل الاستقرار

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

 العرب اليوم -

من الساحل إلى الأطلسي طريق التنمية من أجل الاستقرار

بقلم: لحسن حداد

إنّ ما تشهده منطقة الساحل ليس قدراً محتوماً، بل هو نتيجة متوقّعة لتفوّق النمو الديموغرافي على النمو الاقتصادي، وللحدود التي تُقيّد الإنسان الأفريقي في الساحل وتحول دون فتح الآفاق أمامه، ولنظام اقتصادي ما زال يقوم على الهشاشة. طوال عقود، ظلّ النقاش يدور في حلقة مفرغة بين الأمن والتنمية، لكنّ الخروج من هذه الحلقة لا يكون إلا عبر الاندماج؛ أي ربط اقتصادات الساحل الداخلية بسلاسل القيمة العالمية من خلال البنية التحتية والطاقة والحكامة التي تخدم الإنسان قبل الدولة وتقوم على رؤية واقعية تُعيد الاعتبار إلى الإنسان كفاعل في التنمية لا مجرد متلقٍّ لثمارها، رؤية تجعل من العدالة المجالية شرطاً للاستقرار والأمن المشترك.

في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، يتضاعف عدد السكان كل عقدين تقريباً فيما تتقلص الأراضي الزراعية بفعل التغيّرات المناخية. انعدام الأمن والتطرف والهجرة غير النظامية ليست أزمات منفصلة، بل تجليات لأزمة واحدة: عجز الحكومات المتوالية عن توفير سبل العيش بسرعة كافية لتلبية حاجات شعوبها المتزايدة. هكذا ينجذب شبابٌ بلا أفق إلى شبكات التهريب أو الجماعات المسلحة، بينما تتكدس أسرٌ مشرّدة بفعل الجفاف أو العنف في مدن عاجزة عن استيعابها. ما لم تتحرّك التنمية بوتيرة أسرع من اليأس، فسيواصل العقد الاجتماعي في الساحل طريقه إلى الانهيار.

تُعيد المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس سنة 2023 رسم الجغرافيا الاستراتيجية للساحل. فهي تقترح ممرّاً اقتصادياً حديثاً يربط مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد مباشرة بالمحيط الأطلسي عبر الموانئ المغربية، ولا سيّما ميناء الداخلة الأطلسي الذي هو قيد الإنجاز. وبدعم من شبكات للطرق والسكك والطاقة عبر الصحراء، تهدف المبادرة إلى تحويل هذه الدول من منغلقة برياً إلى مرتبطة بالعالم.

ليست هذه المبادرة مجرّد شعار دبلوماسي، بل هي ثورة تنموية. فهي قادرة على خفض تكاليف النقل، وتنشيط الصادرات، وجذب الاستثمارات في مجالات اللوجستيك والتصنيع والتحويل الزراعي، وخلق مئات آلاف فرص العمل على طول الممر. إنّها تمنح دول الساحل المنطق نفسه الذي صعدت به شرق آسيا: ربط الداخل بالموانئ، والعمال بالأسواق، والشباب بفرص الإنتاج. إنها أيضاً مبادرة تترجم الثقة المتبادلة بين المغرب وشركائه الأفارقة، وتُجسّد تحول أفريقيا من مجال لتلقي المساعدات إلى فضاءٍ لإبداع الحلول بنفسها. لكنّ البنية التحتية المادية وحدها لا تكفي. فنجاح الممر يقتضي أيضاً بنية مؤسساتية ناعمة: توحيد الأنظمة الجمركية، وتسهيل الاستثمارات العابرة للحدود، وإنشاء صندوق إقليمي لصيانة الطرق وتأمينها. هنا تبرز خبرة المغرب واستقراره وموقعه الأطلسي كمرتكز عملي لمقاربة أفريقية خالصة لمشكلات أفريقية.

إنّ استقرار الساحل لا يتحقق بزيادة الجنود، بل بزيادة المعلّمين والمزارعين والمهندسين. الأولوية الأولى لرأس المال البشري: تعميم التعليم الثانوي الأدنى للفتيات، وضمان خدمات الصحة الإنجابية، وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية القادرة على امتصاص الصدمات. فكل سنة إضافية من تعليم الفتاة تؤخر الزواج، وتخفض معدلات الخصوبة، وترفع دخل الأسرة؛ أي أنها تخفف مباشرة من الضغوط الديموغرافية التي تغذّي التطرف والهجرة.

ثم تأتي الإدماجات الإنتاجية: تطوير الزراعة المقاوِمة للمناخ، ودعم الريّ الشمسي، وبناء سلاسل القيمة متينة للحوم والألبان، وكذا دعم التصنيع المحلي للمواد الأساسية. ومع الوصول إلى الموانئ الأطلسية، يمكن لهذه القطاعات أن تجعل من الساحل منطقة إنتاج لا منطقة عبور.

أما الطاقة فهي الركيزة الثالثة. ينبغي التركيز على الشبكات الصغيرة المولّدة للكهرباء لأغراض إنتاجية؛ لتبريد الأسماك، وطحن الحبوب، ولحام المعادن. فالكهرباء الميسّرة هي في الوقت ذاته سياسة تشغيل وسياسة أمن.

ينتعش التطرف والجريمة المنظمة حيث تغيب الدولة ويزدهر التهريب. لذلك، فإنّ إنشاء نقاط حدودية مدمجة وتبادل البيانات بين الجمارك ووحدات الاستخبارات المالية وشركات الاتصالات، إلى جانب توفير بدائل معيشية للمهرّبين الصغار، من شأنه أن يقطع شريان التمويل عن الجماعات المسلحة. ويمكن أن يصبح الممر الأطلسي عموداً فقرياً للحكامة، يحوّل التجارة من اقتصاد الظل إلى الاقتصاد المنظم.

لا يقيس الناس الدولة ببياناتها، بل بخدماتها. عندما تصل المياه، وتُدْفَعُ الرواتب في وقتها، وتُؤمّن الأسواق، تبدأ الثقة بالعودة. ولهذا يجب تأسيس عقود محلية للمساءلة تُناقش فيها الأولويات علناً بين المنتخبين والمواطنين. فالمساءلة من القاعدة إلى القمّة هي اللقاح الأقوى ضد الانقلابات واليأس.

إنّ المبادرة الأطلسية تمنح الساحل أفقاً يتجاوز المساعدات والخوف. فهي تمثّل منطق الاندماج بدل الانعزال، والإنتاج بدل التبعية. ربط الساحل بالمحيط الأطلسي ليس مشروع بنية تحتية فحسب، بل هندسة جيوسياسية للأمل. وإذا توحّد الشركاء حول هذا التصور - بالاستثمار في الإنسان والممرّات والحكامة معاً - يمكن لمنطقة الساحل أن تنتقل من حالة الطوارئ الدائمة إلى زمن النهوض المستدام.

 

arabstoday

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

GMT 07:53 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» في سياساتها

GMT 07:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما يطغَى الفُجور في الخصومة

GMT 07:48 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ما تحتاجه سوريا اليوم

GMT 07:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خواطر متحفية في زمن التحدي النووي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الساحل إلى الأطلسي طريق التنمية من أجل الاستقرار من الساحل إلى الأطلسي طريق التنمية من أجل الاستقرار



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:17 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يتهم BBC بتزوير لقطات ضد ترامب
 العرب اليوم - بوريس جونسون يتهم BBC بتزوير لقطات ضد ترامب

GMT 22:11 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
 العرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 19:05 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

زيلينسكي يطالب أميركا بتسليم أسلحة بعيدة المدى فوراً
 العرب اليوم - زيلينسكي يطالب أميركا بتسليم أسلحة بعيدة المدى فوراً

GMT 06:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إنقاذ السودان تأخر كثيرا

GMT 07:48 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ما تحتاجه سوريا اليوم

GMT 05:32 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:03 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 30 امرأة بمسيرة استهدفت "تجمع عزاء" شرق الأبيض بالسودان

GMT 06:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة

GMT 03:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تطرح مشروع قوة في غزة بإشراف إسرائيلي

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 06:47 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ظاهرة فاروق حسنى!

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء ديكور يكشفون عن 5 ألوان يجب تجنّبها في خزائن المطبخ

GMT 17:35 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد قوة الرضوان في حزب الله

GMT 09:51 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الممثلة الأميركية ديان لاد عن 89 عامًا

GMT 13:47 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحزاب ليست دكاكينَ ولا شللية

GMT 18:36 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام شاهين تكشف حقيقة خلافها مع لبلبة بطريقتها الخاصة

GMT 09:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصرع 3 مواطنين مصريين بصواعق رعدية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab