بقلم : أسامة الرنتيسي
حتى لا يأخذنا “سلوك صبياني” مرة أخرى إلى الدخول في المحرمات وشق صفوف الوحدة الوطنية بدلا من تصليبها، علينا ألا نفقد البوصلة في أية لحظة حساسة ونبدأ شتائم واتهامات في الاتجاهات كلها، وكأن الكل متهمون قبل ان تثبت براءتهم.
أحداث ثلاثة من جنسية عربية فكروا أن يستفيدوا من الأعلام الأردنية التي فوق الجسر ببيعها والحصول على ثمنها، فضبطتهم الكاميرات ومن ثم قبض عليهم ليعترفوا أنهم كانوا يريدون المتاجرة بها، ولم يفكروا لحظة في قيمة رمزية العلم.
الغضبة الأردنية من هذا السلوك مبررة جدا جدا، ولا يقبل أحد من الأردنيين من شتى الأصول والمنابت أن يتم المساس برموز الوطن، فالعلم أكثر من خط أحمر، وقدسيته فوق الرؤوس، لكن هذه الغضبة تسرعت قليلا في توجيه التهم لأطراف ثبت أنهم بريئون منها، فأسأنا للوحدة الوطنية قبل ان يثبت لنا جهاز الأمن العام أن القضية مختلفة والفاعلون صبية أحداث من جنسية عربية.
درس العَلَم، هو درس مهم في تصليب الوحدة الوطنية وتعزيزها وصيانتها،
فالنقاشات في الأجواء العامة على السوشيال ميديا وبين الجروبات المختلفة أدى إلى انقسامات وانشطارات في الرأي، لا تختلف عن انشطارات القنبلة النووية، ما نحتاجه هدوء وامتناع عن الصعود إلى رؤوس الأشجار، حتى لا نختلف في كيفية الهبوط عنها.
الفَزاعات التي “يتعربش” عليها قِصار النظر كثيرة، فما أن ننتهي من قصة إلا ونبدأ بالترويج لقصة أخرى، وكأن حقوقا مدنية على سبيل المثال تمنح لأبناء الأردنيات كالذهاب إلى المدارس والمستشفيات والحصول على رخصة سواقة ستوطن الفلسطينيين في الأردن، وبالتالي نصل إلى المعزوفة المشروخة “الوطن البديل”.
في الوقت الذي تعمل فيه “إسرائيل” على إبادة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وتخطط لتهجيره خارج وطنه لتكريس “يهودية الدولة”، ما يخلق واقعا على الأرض لا يمكن التنبؤ بخطورته على وجودنا العربي في المنطقة، نجد من ينبش في قضايا تعمل على زعزعة السلم الاجتماعي، وتقويض الوحدة الوطنية.
دعونا نغلق بوابات خفافيش الظلام هذه التي يدخل من خلالها الشيطان وأعوانه، ونركز فعليا على قضايا الإصلاح الشامل في بلادنا.
ما يصلب القضايا الوطنية، ويحفظها من أي خروقات، ولا نلتفت لأجِندات فلان، وأوهام علان، فالمُشْتَرَك الواحد والحقيقة الصارخة أنّ كثيرا من البلدان العربية وصلت طريقا مسدودا بسبب غياب آليات التغيير الديمقراطي، وجميعها بحاجة إلى نقلة نوعية نحو عصر آخر وزمن تَسودَهما الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة الوطنية.
لنتذكر من الآن، وهذه ليست أوهامًا بل رؤية سياسية واقعية، لن يقع أي تهجير، ولن يقع اتفاق على دولة فلسطينية مؤقتة الحدود، ولن تجد دول العالم حلا للصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي سوى حل الدولتين في النهاية.
برغم الخسائر المهولة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني مؤخرا وهبوط مستوى القيادة الفلسطينية، فإن الفلسطينيين انتزعوا اعترافا أمميا من الأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، بينها 4 دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 حزيران 67 عاصمتها القدس الشرقية المحتلة، ولا يوجد فلسطيني واحد على وجه الأرض من أقصاها إلى أقصاها يقبل بأقل من هذا الإنجاز.
الدايم الله…