العراق عسكري من دون العسكر

العراق... عسكري من دون العسكر

العراق... عسكري من دون العسكر

 العرب اليوم -

العراق عسكري من دون العسكر

بقلم : مصطفى فحص

حتى يوم السبت الفائت لم يكن الجيش العراقي أو مَن يمثله ضمن حسابات الشارع العراقي، أو جزءاً من رهانات النخب الثقافية والسياسية والاجتماعية، المسكونة دائماً بالقلق المشروع في العراق من حكم العسكريتارية، بعد تجربة مريرة مع الانقلابات الدموية التي خلَّفت مأساة لم يزل العراق يدفع ثمنها إلى اليوم، إلا أن خطأً في حسابات صنَّاع القرار السياسي يوم السبت تسبب في نقل أزمة السلطة إلى مربع الجيش، ففتحت أذهان العراقيين على احتمال استبعدوه، ولكنه فجأة بات ممكناً ومقبولاً، ودفع إلى التفكير بإمكانية أن يكون للقوات المسلحة أو لجنرال نزيه وكفء دور في الحياة السياسية في عملية التغيير، تجنباً لفراغ سياسي نتيجة قناعة بأن نظام 2003 السياسي غير قادر على إعادة إنتاج نفسه، الأمر الذي قد يأخذ العراق إلى حالة من الفوضى، خصوصاً أن شركاء السلطة توافقوا على قطع الطريق أمام التفكير بأي احتمال خارج الصندوق، حتى لو بات الصندوق فارغاً من الأسماء التسووية التي تتوافق عليها أطراف السلطة كافة.

بدا ذلك واضحاً خلال الأزمة التي برزت في الأشهر الأخيرة نتيجة انعكاس الصراع الأميركي - الإيراني على العراق، وارتفعت نسبة المخاوف من سقوط التسوية وذهاب الحكومة وصعوبة تكليف اسم جديد يملك مواصفات رئيس الوزراء الحالي الدكتور عادل عبد المهدي، الذي يمكن اعتباره آخر وجه لنظام 2003، والقادر نسبياً على الحفاظ على الاستقرار السياسي في هذه المرحلة بكل صعوباتها وأزماتها.

عملياً، في اللحظة التي توافقت السلطة الحاكمة على الإبقاء على تماسكها وحسمت خياراتها في الحفاظ على مكتسباتها، قامت بالخطوة وكان باعتقاد مهندسيها أنها ستكون ضربة قاضية لكل من تتكون لديه طموحات خارجة عن إرادتها، ونجحت في تفكيك بعض محاولات جرت داخلها للخروج عن الضوابط التي حددتها، فلم تتردد في معاقبة أحد أبرز حراس التسوية الحكومية عندما قامت بهيكلة «الحشد الشعبي» بهدف إضعاف موقع وتأثير القيادي أبو مهدي المهندس، الذي انحسر تأثير إبعاده داخل «الحشد» والمحور السياسي الذي ينتمي إليه، إلا أن ثنائي التسوية الحاكم («الفتح» و«سائرون») رصدا خطراً حقيقياً قادماً من جهة أخرى أكثر شعبية وجاذبية، فاتخذ قراراً سريعاً في اجتثاثه.

ففي 29 سبتمبر (أيلول)، قرر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي، نقل قائد عمليات جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي إلى إمرة وزارة الدفاع بناءً على طلب رئيس الجهاز، وقد شكَّل هذا القرار صدمةً معنوية للشارع العراقي ولدى النخب السياسية اليائسة من إصلاح العملية السياسية، وترى في الساعدي احتمالاً ممكناً بعدما سقطت رهاناتها على الشخصيات والقيادات والأحزاب والتيارات كافة التي تحكم العراق منذ 2003؛ فقد شكل الجنرال الساعدي في وعي العراقيين المقهورين والناقمين على انحلال الدولة، فرصة خلاصهم وبديلاً لطبقة سياسية طائفية وفاسدة، وقاموا بتبني مظلوميته كجزء من المظلومية التي يتعرضون لها، وهي حالة متجذرة بتكوين الشخصية العراقية، ما أدى إلى حالة تضامن مع الساعدي خارج الحدود المناطقية والطائفية من الموصل إلى الفاو، يصفها أستاذ الأنثروبولوجيا العراقي الدكتور هشام داود بـ«صورة المنقذ الذي أصبح جواب العراقيين المرتجى لكل التفكك والانحلال الذي يضرب المجتمع بعمق، وهي أمام صورة الساعدي تخضع إلى آلية أسطرة موضوعية وفق ما ينتظره الحس الشعبي من قدوم منقذ عادل طال انتظاره يكون نقيضاً لكل أشكال التمثيل السياسي الحالي، بالنسبة إلى الحس الشعبي، الديمقراطية هنا ليست المعيار، والخشية من قريحة المؤسسة العسكرية في بلد ريعي ليس مبعث قلق، بل الدولة المحايدة والعادلة هي الهدف». فمما لا شك فيها أن شخصية الساعدي التي وصفها أحد السفراء الغربيين في العراق بأنه عصيٌّ على الفساد، قادرة على اختراق الوجدان العراقي وتهدد التيارات الشعبوية الطائفية بمشروع شعبي وطني، والأحزاب السياسية ببديل لها يأتي من مؤسسة تمثل الهوية الوطنية الجامعة، في مرحلة أعاد فيها الاجتماع الشيعي العراقي تعريف هويتهم الوطنية، وصحح علاقته بفكرة الدولة والجيش، الذي لم يعد خصماً بل يمكن أن يصنع له البدائل.

وعليه، بات الساعدي العسكري يتملك عصبية مدنية وشارعاً وطنياً يرفض عودة العسكريتارية للسلطة، لكنه يتعامل مع الساعدي كاستثناء لديه فرصة وطنية لا تحتاج إلى العسكر لكي تفرض مشروعيتها، وهذا ما أثار مخاوف الطبقة السياسية التي لا ترغب في بونابرت عراقي يعود من الجبهة إلى القصر، فسارعت إلى التعامل معه كما تعامل لوردات اسكوتلندا مع قائد حروب الاستقلال عن جارتهم الإمبراطورية البريطانية ويليام والاس، فضحّوا به حفاظاً على امتيازاتهم وإرضاء لها.

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2025 السبت ,05 إبريل / نيسان

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق عسكري من دون العسكر العراق عسكري من دون العسكر



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة
 العرب اليوم - عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 11:02 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فائزة رفسنجاني تُثير الجدل مجدداً وتؤكد أن والدها تم اغتياله
 العرب اليوم - فائزة رفسنجاني تُثير الجدل مجدداً وتؤكد أن والدها تم اغتياله

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور

GMT 07:07 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيق مع فضل شاكر مستمر واسقاط بعض التهم

GMT 11:25 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الطاولات في حفلات الزفاف لمسات بسيطة تصنع فخامة المشهد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab