بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ليس جديدًا عجز العالم الإسلامى وتشتت بلدانه واختلاف أهواء حكوماته. تطرق النقاش فى جلسة أصدقاء إلى هذا الموضوع، فقال الصديق د. سعد عزام إنه فرغ من قراءة دراسة طُلب منه إبداء الرأى فيها عن أثر الصراع بين الدويلات الإسلامية فى شعر أبى الطيب المتنبى الذى عاش بين عامى 915 و965, وتنقل بين عدد من تلك الدويلات التى اشتد الصراع بين حكامها وأمرائها مع دخول الدولة العباسية مرحلة التفكك. وكان للشعر مكان ومكانة فى ذلك العصر. فقد تنافس حكام الدويلات الإسلامية على الشعراء ومدائحهم. ونشأ المتنبى فى تلك الأجواء منتقلاً بين الكوفة، وحلب ودمشق ومصر وطرابلس وغيرها. وكان معظم الشعراء ينتقلون من دويلة إلى أخرى إذا كان الأمير الذى ينتقل الشاعر إلى بلاطه أكثر كرمًا فى عطاياه. وهكذا فعل المتنبى منذ أن غادر الكوفة وحل فى عدد من المدن حتى استقر فى حلب، ودخل فى معية الأمير الشاعر سيف الدولة الحمدانى الذى أجزل له العطاء وقرَّبه فصارت بينهما علاقة خاصة. وقال فيه بعض أجمل شعره، ومنه «وقفت وما فى الموت شك لواقف/كأنك فى جفن الردى وهو نائم/تمر بك الأبطال كلمى هزيمة/ووجهك وضاح وثغرك باسم». ولكن حاسديه تمكنوا من الوقيعة بينهما. وعندما أدرك المتنبى أنه بات فى خطر، آثر الرحيل خوفًا على حياته. ولكنه لم يرحل كارهًا لسيف الدولة أو حاقدًا عليه، بل ظل محبًا له وتبادل معه الرسائل خلال ترحاله وبقى فى خاطره ووجدانه. وبعد فترة ترحال انتقل فيها من مدينة إلى أخرى حط رحاله فى مصر، أملاً فى أن يحتضنه حاكمها أبو المسك كافور الأخشيدى رابع حكام الدولة الإخشيدية الذى كان الحاكم الفعلى منذ عام 946، وقبل أن يُنصب رسميًا سنة 966، ولكنه لم يجد مبتغاه. كما أن الشعر لم يطاوعه فى مديحٍ صافٍ للأخشيدى لأن محبة سيف الدولة كانت باقية لديه. ولذا لم يستقر له المقام فى مصر، فغادرها مواصلاً ترحاله من بلد إلى آخر. وهكذا كان العالم الإسلامى ومازال فى فرقة اختلفت أشكالها من مرحلة إلى أخرى.