بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
لم يكن وحده الحالِم بمستقبلٍ أفضل فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. حفل زمنه بالحالمين من كل نوع وطراز. كانت فترةً انتقاليةً بدأت مع الثورة الصناعية الأولى وبدت مبشرةً بعالم جديد مختلف عما عاشه البشر قبله. ولكن ما ميز هنرى دو سان سيمون، الذى تحل هذا العام المئوية الثانية لرحيله فى مايو 1825، أنه لم يكتف بالحلم. فقد سعى إلى تحقيقه، فنشر أفكاره وتصوراته التى تفاعل معها وتأثر بها عدد كبير ممن صاروا رفاقًا له وتلاميذً حملوا حلمه بعد رحيله وواصلوا التبشير به مسترشدين بكتاباته التى تركها فى صورة كتب ورسائل. ومن أهمها «رسائل من ساكن جنيف إلى معاصريه»، الذى نُشر عام 1803، وبشر فيه بما سيكون للعلم من آثار كبيرة على العالم والبشر، و»نهضة المجتمع الأوروبى» الذى أصدره عام 1814 ودعا فيه إلى وحدة أوروبا وطرح صيغة اعتبرها عملية لهذه الوحدة. أما أهم ما كتبه فكان «رؤية سان سيمون». فقد طرح فى تلك الرؤية تصورًا جريئًا مؤداه أن العالم لا يخسر شيئًا إذا فقد أى عددٍ من رجال السياسة وأهلها، ولكنه يخسر الكثير إذا فقد علماء وصناعا وأرباب حرف ماهرين. وأفاض فى فضائل الفيزيائيين والكيميائيين والمهندسين وعلماء الرياضة والأطباء والصيادلة، ومعهم فى المرتبة نفسها الفنانون والأدباء، إذ لا يتيسر تعويضهم بسهولة. لم تكن الاشتراكية قضية سان سيمون الأولى بخلاف ما هو شائع عنه، بل العلم والصناعة وما يقترن بهما من تغييرٍ حلم بأن يقود إلى مجتمعات أكثر عدالة. وقد عاشت أفكاره بفضل تلاميذه، وأثرت فى بعض من تلقوها، وأسهم البعد الاجتماعى الذى تضمنه فى ذيوع الفكر الاشتراكى فى القرن التاسع عشر. فكانت هذه الأفكار بعض ما فتح الطريق أمام كارل ماركس لإصدار البيان الشيوعى 1848، وتأسيس الأممية الأولى أو جمعية الشغيلة العالمية عام 1864، استنادا على أفكار جذرية، كان سان سيمون قد تناول بعضها بطريقة مختلفة كثيرًا فى سياق حلمه بمستقبل أفضل للعالم يعتمد على تقدم العلوم وازدهار الصناعة.