بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
قد تتفق أو تختلف على أفكار الروائى الكبير صنع الله إبراهيم وآرائه السياسية والاجتماعية. لكنك لا تستطيع إلا أن تُقدر قيمة أعماله الروائية التى ستبقى مقصدًا لكل من يريد أن يقرأ أدبًا جميلاً وهادفًا. كان آخر لقاء جمعنا قبل عشر سنوات بالتمام تقريبًا. ذهبت إليه فى صيف 2015 فى «دار الثقافة الجديدة» التى كان يديرها للتعاقد على نشر كتاب «ماذا حدث لثورة 25 يناير». وامتد اللقاء لأكثر من ساعتين فى حوار غنى حول قضايا متنوعة. وكان هو يستعد لإصدار روايته «67» التى تأخر نشرها ما يقرب من نصف قرن. فقد كتبها بُعيد حرب 1967, وسعى عبر سياقاتها وشخصياتها وحواراتها إلى كشف بعض أسباب الهزيمة وأهمها الحالة السلبية التى تصيب أى مجتمع حين يُفرض عليه الانصراف عن قضاياه العامة ويستبد به الخوف فيصيب التشوه أنماط الحياة فيه. لم يتيسر له نشرها عقب كتابتها، فتركها ونسيها إلى أن وجد مخطوطتها فقرر نشرها كما هى باعتبارها شهادة عن مرحلة.
لم يكن روائيًا فقط، بل مثقف واسع المعرفة أيضًا. ولو أنه اختار الكتابة فى الفكر والسياسة لصار أحد أبرز المفكرين العرب. ولكنه آثر أن يعبر عن أفكاره من خلال أعماله الروائية التى نذكر منها روايات «اللجنة» و«شرف» و«نجمة أغسطس» و«الجليد» و«أمريكانلي» و«ذات» و«67» وغيرها.
وتعد روايته «ذات» الأكثر شهرة بين أعماله الأدبية لأنها تحولت إلى مسلسل تليفزيونى بديع تابع الملايين من خلاله رحلة حياة سيدة مصرية تُدعى «ذات»، وتجد فيها كل امرأة من الطبقة الوسطى شيئًا من ذاتها، إذ تألق فى التعبير عن مشاكل السواد الأعظم من نساء هذه الطبقة وهمومهن والكيفية التى يتكيفن بها مع المتغيرات التى تحدث حولهن وتؤثر فيهن.
وقد فعل صنع الله خيرًا كثيرًا عندما وافق على تحويل الرواية إلى مسلسل تليفزيوني، وهو الذى كان شديد التحفظ فى هذا المجال. ولذا اعتذر عن عروض لتحويل بعض رواياته الأخرى إلى أفلام سينمائية خشية تشويه بعض المعانى المتضمنة فيها أو تسطيحها. رحل صنع الله عن عالمنا فى سلام .. فلروحه السلام.