بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
رغم العلاقة الوثيقة التى ربطت محمد حسنين هيكل بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقد ساوره القلق عند إصدار قانون تنظيم الصحافة أو تأميمها فى مايو 1960. كان «الأهرام» حينذاك قد بدأ فى تنفيذ مشروع تطويره مهنيًا ومؤسسيًا.
يروى هيكل أن التنظيم، أو التأميم، أثار أسئلة كان أكثرها إثارة للقلق السؤال الذى صاغه كالتالي: «هل ينتهى المآل بالأهرام لأن تصبح كرة تتقاذفها أقدام مجموعات متصارعة فى هذا التنظيم» وكذلك السؤال عن مصير مشروع تطويرها وهل سيُتاح لها المضى فيه. ولكن الاجتماع الذى عقده عبد الناصر مع مجالس إدارات الصحف ورؤساء تحريرها قلَّل ذلك الشعور بالقلق. ويضيف أنه عقد اجتماعًا واسعًا فى «الأهرام» اتُفق خلاله على المضى فى مشروع تطوير الأهرام كما خُطط له، وهو ما حدث فى مختلف جوانب هذا التطوير، بما فى ذلك إنشاء المبنى الكبير الجميل فى شارع الجلاء وافتتاحه عام 1968.
وهكذا تمكن هيكل، استنادًا على علاقته الخاصة مع الرئيس عبد الناصر، من إكمال مشروعه، رغم تعرضه لهجوم من وقت إلى آخر من جانب بعض قادة الاتحاد الاشتراكي. وكان الإنفاق الكبير على بناء مبنى الجلاء أحد أهم جوانب هذا الهجوم، بدعوى أنه يتعارض مع المبادئ الاشتراكية.
وكان رده على ذلك الهجوم قويًا فى اتجاهات أربعة. أولها أن جمال المبنى شرط لازم بالنسبة إلى دار صحفية هى الأولى فى المنطقة، ولابد أن يكون فى هذا المستوي. والثانى أن المشروع يُموَّل كله من فائض ربح الأهرام، ولا يكلف الدولة مليمًا واحدًا، ولا عبر الاقتراض من البنوك. والثالث أن النقد الأجنبى اللازم لشراء المعدات الجديدة يتم توفيره من حصيلة نشاط «الأهرام» الخارجي. والرابع أن الفكر الاشتراكى يُحرّم الاستغلال، ولكنه لا يمنع الطموح نتيجةً لعمل. كما أنه لا يستهدف تثبيت الفقر، ولكنه حربُ على الفقر من أجل القضاء عليه.
لقد كان قرار تنظيم أو تأميم الصحافة أكبر تحدٍ واجهته «الأهرام» فى لحظة دقيقة بالنسبة إلى عملية تحويلها لمؤسسة كبري. وكانت الاستجابة على قدر ذلك التحدي.