بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
إذا مضت الإدارة الأمريكية الراهنة فى سياستها التى بدأتها تجاه التعليم والبحث العلمى ربما تفقد الولايات المتحدة ليس فقط أحد مقومات قوتها الناعمة فقط، بل أهم مقومات تقدمها أيضًا. لم تصل الولايات المتحدة إلى المكانة التى بلغتها إلا بفضل مؤسساتها التعليمية التى تضم جامعات عريقة ويتوافر فيها أعلى مستوى من الحريات الأكاديمية التى تخلق الأجواء اللازمة لتقدم البحوث العلمية وازدهارها. وسواء عاد هؤلاء إلى بلادهم، أو فضلوا البقاء وقبلوا عروضا تُقدم إليهم، فالولايات المتحدة مستفيدة فى الحالتين. يحمل كُثُر من العائدين إلى بلادهم نظرة إيجابية إلى الولايات المتحدة تنطوى على مزيج من الامتنان والإعجاب والتعاطف. ولكن فائدة من يبقون قد تكون أكبر لأن بعضهم يصبحون جزءًا من منظومة البحث العلمى الواسعة النطاق، فيما يغدو بعض آخر منهم قيمة مضافة إلى الشركات والهيئات التى يعملون بها. وغريب، والحال هكذا، أن تُقدِم إدارة أمريكية على التضحية بهذه الفائدة المزدوجة. ولكن هذا ما يحدث الآن مدفوعًا بدافعين لدى هذه الإدارة. أولهما إرضاء الكيان الإسرائيلى عبر ممارسة ضغوط على بعض الجامعات لإرغامها على تقليص الحريات الأكاديمية لضمان عدم معرفة الطلاب حقيقة الصهيونية وجرائمها غير المسبوقة فى التاريخ، علاوةً على إلغاء منح تحصل عليها من الميزانية الفيدرالية، وطرد طلاب وباحثين أجانب يحمل بعضهم الجنسية الأمريكية، لأنهم يصرون على أن هذه الحريات حق لا يقبل التصرف، وإخضاع طالبى تأشيرات الدخول للدراسة أو العمل فى مشاريع علمية لتدقيق شديد ومنع من يؤيدون حقوق الشعب الفلسطينى من الحصول عليها. أما الدافع الثانى فهو خفض الإنفاق العام. وليست وزارة التعليم التى أُلغيت الضحية الوحيدة لهذا الدافع، بل هيئات ووكالات عدة رسمية ومجتمعية تعمل فى مجال التعليم. وربما تتيح هذه السياسة المدمِرة للتعليم والبحث العلمى فرصة لدول أخرى. ويبدو أن هذا ما تطمح إليه أوروبا، وفرنسا تحديدًا، كما يتضح من المؤتمر الذى عُقد فى جامعة السوربون فى مطلع الشهر الحالى تحت عنوان «اختاروا أوروبا للعلوم». فقد وُجهت من خلال هذا المؤتمر رسائل للطلاب والباحثين للذهاب إلى أوروبا حيث تتوافر الحريات الأكاديمية.