بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يدفع تنظيم مهرجان «يانجتسى يلتقى بالنيل» فى المتحف القومى للحضارة قبل أيام إلى تأمل بعض الجوانب الثقافية التى أسهمت فى نهضة الصين ووصولها إلى المكانة التى بلغتها فى العقود الأخيرة. أُلقيت فى هذا المهرجان، الذى نُظم بمناسبة مرور 70 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، أضواء على الإرث الثقافى لنهرى يانجتسى والنيل باعتبارهما رمزين لحضارتى البلدين. ولكنه يفتح الباب أيضًا أمام تأمل أثر ثقافة الصين التقليدية فى نهضتها الراهنة، وكيف حدث الامتزاج التاريخى بين القديم والجديد أو الموروث والمعاصر.
فالثقافة الصينية المعاصرة تعد من أكثر ثقافات العالم تأثرًا بالقيم والتقاليد الموروثة التى تؤثر فى أنماط الحياة، كما فى أشكال الإبداع الثقافي، أيما تأثير.
ومن أهم القيم والتقاليد القديمة التى تؤثر فى ثقافة الصين المعاصرة تلك المستمدة من تعاليم الفيلسوف الصينى كونفوشيوس الذى يحظى بمكانة متميزة فى تاريخ هذا البلد العريق.
فكان لهذه التعاليم، ومازال، أثر قوى فى تشكيل الثقافة المجتمعية وأنماط الحياة بما تتضمنه من حث على العمل الجاد المتقن، والنظام والانضباط، والولاء للجماعة، والتعاضد والتضامن، وإعلاء مصلحة الجماعة على الفرد، والإيثار، والإخلاص والاستقامة، ونبذ الفرقة، وروح الفريق وغيرها. فقد أثر الموروث الثقافى الكونفوشيوسى تأثيرًا عميقًا فى نظرة أجيال تعاقبت عبر تاريخ طويل إلى أنفسهم ومجتمعهم وبلدهم. واستمر هذا الموروث الثقافى عبر الأزمان، بمنأى من الظروف التى قدم فيها كونفوشيوس تعاليمه الأساسية فى مرحلة اتسمت بالاضطراب والتمزق والتوتر عقب تفكك مملكة تشو.
فكانت تلك التعاليم، فى أحد جوانبها المهمة، مرشدًا إلى استعادة الوحدة وروح الأمة الواحدة من خلال استدعاء أفضل ما فى داخل الإنسان الصيني، والسعى إلى الارتقاء به ليقوم بدوره فى نهضة أمته. ولكى يفعل ذلك عليه أن يحب عمله ويتقنه، ويؤدى واجباته بأفضل ما يمكنه، ويتعلم التنظيم والتخطيط، ويلتزم بالنظام والانضباط.
والحق أن فى الثقافة المجتمعية الصينية الكثير مما يمكن الاستفادة منه مع مراعاة اختلاف الظروف سواء التاريخية أو المعاصرة، وفى مقدمته ثقافة العمل الجاد المتقن.