بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
صدق عميد الأدب العربى د. طه حسين عندما وصف «الأهرام» بأنها ديوان الحياة المعاصرة. فقد نقلت أحداث العالم وتطوراته وطبائع شعوبه وأنماط الحياة فى أنحائه. وتابعت التغيرات التى حدثت فى هذا كله، وغيره، طول قرن ونصف قرن حتى الآن. وتميزت منذ إصدارها بتغطيتها الشاملة التى جمعت ألوانًا من السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة والعلم والإبداع. وقدمت فى كل ذلك معارف واسعة نهلت منها أجيال وأجيال. وظلت منبرًا مفتوحًا لكثير من أكبر الكُتاب المصريين وغيرهم من العرب. وعُرف بعضهم، أول ما عُرف، بسبب ما نشروه فيها, ومنهم على سبيل المثال الشاعر الكبير أحمد شوقى الذى نشرت «الأهرام» عددًا من قصائده الأولى، وما بعدها أيضًا.
فقد تميزت منذ إصدارها بالرصانة والحرص على المهنية. وتمكنت من الحفاظ على طابعها هذا فى معظم العصور، بغض النظر عن مستوى حرية الصحافة فى هذا العصر أو ذاك. وثبت من تجربتها فى المرحلة التى تلت تأميم الصحافة أن ارتفاع مستوى المهنية يمكن أن يُعوًَض انخفاض مستوى الحرية. واقتبس أستاذ التاريخ الراحل الكبير د. يونان لبيب رزق عبارة ديوان الحياة المعاصرة وجعلها عنوانًا لسلسلة مقالات طويلة، وربما الأطول فى تاريخ الصحافة، إذ تجاوزت سبعمائة حلقة, وتناول فى كل حلقة منها قضية أو موضوعًا أو حدثًا غطته «الأهرام» أو تناولته. ونُشرت هذه المقالات فى كتاب كبير متعدد الأجزاء صار مرجعًا لمن يبحث فى تاريخ الحياة فى عالمنا، وليس فى تاريخ درة الصحافة العربية فقط. تجاوزت «الأهرام» أزمات متفاوتة واجهتها فى تاريخها الطويل، بل مكَّنها النجاح فى عبور أزمة مالية طاحنة فى منتصف خمسينيات القرن الماضى من التحول إلى مؤسسة صحفية كبرى تصدر عددًا كبيرًا من المطبوعات الأسبوعية والدورية، وتضم أحد أكبر مراكز البحث والتفكير فى المنطقة «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية». والحال أننى أشعر، وأنا أكتب هذه الكلمات، بأن روحَى سليم وبشارة تقلا تحلقان وترقبان كيف تدخل الصحيفة التى أسَّساها عامها الواحد والخمسين بعد المائة.