بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ليس من الحكمة أن نخوض حربًا باردة أو ساخنة ضد قوتين كبيرتين فى الوقت نفسه. كانت هذه إحدى الوصايا الأخيرة للدبلوماسى الأمريكى القدير الراحل هنرى كيسنجر عشية رحيله. لم تأت الحكمة التى تحدث عنها من فراغ، بل نتيجة معرفة أكاديمية وخبرة عملية فى إدارة السياسة الخارجية الأمريكية. وكانت هذه الحكمة وراء الدور الذى قام به فى مطلع سبعينيات القرن الماضى لتحقيق تقارب أمريكي- صينى أسهم بمقدار فى إنهاء الحرب الباردة الدولية بالطريقة التى انتهت بها، إذ هُزم الاتحاد السوفيتى السابق بالنقاط وتفكك, فانفردت الولايات المتحدة بقمة النظام العالمي.
لا يؤمن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بهذه الحكمة. فهو يُصَّعد فى كل اتجاه بأشكال متعددة ودرجات متفاوتة، وأشعلت قراراته بشأن الرسوم الجمركية نار الحروب التجارية فى العالم.. يعتقد ترامب أن هذا هو السبيل لكى يجعل «أمريكا عظيمة مرة أخري». وينطوى هذا الاعتقاد على غرور من النوع الذى قد يؤدى إلى عواقب وخيمة. ولا يحسب حساب الآثار التى قد تترتب على خوض حروب سياسية واقتصادية وتجارية عدة فى الوقت نفسه.
ومع ذلك فالملاحظ أنه أُخذ بالمشهد الذى تابعه العالم فى قمة منظمة شنغهاى الأخيرة، والتى تعد الأكبر فى تاريخ هذه المنظمة منذ تأسيسها عام 2001. ولعل أكثر ما قد يكون فوجئ به حضور الهند هذه القمة رغم خلافاتها الكبيرة المعروفة مع الصين. ولكن الحرب التجارية التى شنتها إدارة ترامب عليها دفعتها فيما يبدو إلى تجريب إمكانات التقارب معها.
وجد ترامب، الرئيس الصينى شى جين بينج والرئيس الروسى فلاديمير بوتين ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودى معًا فى قمة كبيرة يُتفق فيها على ضرورة العمل من أجل علاقات دولية جديدة ونظام عالمى متوازن يقوم على التعددية لا الأحادية وعولمة اقتصادية شاملة. ويدل هذا الذى حدث فى قمة شنغهاى على عواقب منهج خوض صراعات ضد ثلاث دول كبيرة فى الوقت نفسه، ومخالفة ما اعتبرها كيسنجر حكمة جُربت وثبتت صحتها. ولكنه غرورُ قاتل ذلك الذى يدفع إدارة ترامب فى هذا الاتجاه.