بقلم:عمرو الشوبكي
لا أحد يختلف أن البيان الذى أصدرته بريطانيا أول أمس مع ٢٥ دولة وطالبوا فيه بوقف حرب غزة فورا أمر إيجابى لا يمكن إنكاره، خاصة أن اللغة المستخدمة فيه كانت قاطعة وبعيدة عن اللغة «المائعة» التى اتسمت بها كثير من البيانات الأوروبية. وكانت بريطانيا قد دعت ووزراء خارجية كل من أستراليا، النمسا، بلجيكا، كندا، الدنمارك، إستونيا، فنلندا، فرنسا، أيسلندا، أيرلندا، إيطاليا، اليابان، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، بولندا، البرتغال، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، ومفوض الاتحاد الأوروبى للمساواة، وأصدروا بيانا طالبوا فيه بوقف فورى لإطلاق النار واعتبروا مقترحات نقل السكان الفلسطينيين إلى «مدينة إنسانية» غير مقبولة إطلاقًا، وتشكل انتهاكا للقانون الدولى الإنسانى.
كما أدانوا إيصال المساعدات بالتنقيط والقتل اللاإنسانى للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، الذين يسعون إلى تلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والغذاء. إنه لأمر مروع أن يُقتل أكثر من ٨٠٠ فلسطينى أثناء سعيهم للحصول على المساعدة. وأكدوا أن حرمان الحكومة الإسرائيلية السكان المدنيين من المساعدات الإنسانية الأساسية «أمر غير مقبول»، ودعوها إلى رفع القيود المفروضة على تدفق المساعدات فورًا، وتمكين الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الإنسانية بشكل عاجل من القيام بعملها المنقذ للحياة بأمان وفعالية. وأعربت بريطانيا وحلفاؤها الـ٢٥ عن معارضتهم الشديدة لأى خطوات تهدف إلى تغيير جغرافى أو ديموغرافى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، موضحين أن خطة الاستيطان (E١) التى أعلنتها الحكومة الإسرائيلية، فى حال تنفيذها، ستُقسّم الدولة الفلسطينية إلى قسمين، مما يُمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى، ويُقوّض حل الدولتين بشكل حاسم، كما طالبوا بوقف عنف المستوطنين فورا.
البيان واضح وقاطع فى موقفه، وأهميته فى الدول الموقعة عليه، ولكنه مثل بيانات جامعة الدول العربية يحتاج دائما لأدوات تنفيذ وإرادة سياسية من الدول الموقعة عليه لكى تفعله.
والحقيقة أن الضعف الشديد فى أداء المجتمع الدولى وعجزه عن إجبار إسرائيل على وقف جرائم الإبادة الجماعية فى غزة، عكس أزمة عميقة فى بنية المنظومة الدولية التى تأسست عقب الحرب العالمية الثانية، فمنذ العدوان الإسرائيلى على غزة وهناك مئات (وليس عشرات) من بيانات الإدانة ضد السياسات الإسرائيلية فى كل بقاع العالم، ومع ذلك لم تردع إسرائيل، والمؤسف أن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين اعتبروه «غير واقعى» فى حين أن الواقع أكثر بشاعة ودموية مما تضمنه البيان البريطانى.
صحيح أن ما فعلته بريطانيا أول أمس كان كلاما فى بيان، لكنه قد يشكل فرصة نتمنى ألا تهدر، بأن يتحول إلى ورقة ضغط حقيقية على إسرائيل باتخاذ إجراءات لمقاطعتها ووقف التعامل التجارى معها وإيقاف أى شحنات أسلحة أوروبية ترسل إليها فإذا تحول البيان من كلمات إلى إجراءات فإنه يمكن أن يساعد فى وقف الحرب وجرائم الإبادة الجماعية فى غزة.