بقلم : عمرو الشوبكي
الجدل الذى صاحب النقاش حول قانون الإيجار القديم به جوانب كثيرة صحية، أبرزها أنه ناقش قضية مجتمعية حقيقية وليست مصنعة، بصرف النظر عن الخلاف مع بعض نقاط القانون المقترح، وبصرف النظر عن الخطأ الحكومى الفادح (والإصرار عليه) بطرد المستأجر بعد فترة انتقالية من ٥ إلى ٧ سنوات.
والحقيقة أن هذا القانون المقترح مثل قانون المسؤولية الطبية، شهد لأول مرة منذ سنوات نقاشًا مجتمعيًا حقيقيًا بين أصحاب المصلحة فى القانون؛ أى المُلَّاك والمستأجرين، حتى لو سخنت بعض وسائل الإعلام الموضوع لتعمق الاستقطاب بين الجانبين، وهو ما سبق وتكرر أثناء مناقشة قانون المسؤولية الطبية الذى شاركت فيه نقابة الأطباء بفاعلية، ودخلت فى دائرة الاتهامات من قبل البعض حين ألغت مؤتمرًا كانت تنوى عقده لرفض المشروع الحكومى المقترح، ولكنها نجحت بأدوات أخرى أن تعدله.
والحقيقة أننا شهدنا فى السنوات الأخيرة نوعين من النقاش فى مصر؛ واحد مصنع يركز على كل ما هو هامشى ويحاول أن يفرضه على المجتمع كقضية للنقاش العام كخناقات الممثلين وطلاق الممثلات، أو انتهاز فرصة وقوع حادثة فى محل يملكه فلسطينى فيتحول العامل المصرى الذى هدد زبون بسكين إلى فلسطينى لتصب «القلة إياها» غضبها على الشعب الفلسطينى المنكوب بتهم باطلة ومختلقة.
إذا قام أى باحث بعمل تحليل مضمون لما يبث فى بعض المنصات الإعلامية وما يروج له فى العديد من وسائل التواصل الاجتماعى الموجهة سيكتشف أن هناك حرصًا شديدًا على تحويل قضايا هامشية إلى قضية رأى عام والعمل «من الحبة قبة» فى أمور تفصيلية لا تفيد المواطن فى شىء.
ومن هنا فإن تجربة قانون الإيجار القديم جاءت لتقول إن هناك فرقًا السماء والأرض، بين نقاش فى قضية مجتمعية حقيقية قدم فيها كل طرف حججًا قوية، ولولا الإصرار الحكومى على التمسك بطرد المستأجرين بعد فترة انتقالية طالت أو قصرت لكنا شهدنا نقاشًا حقيقيًا حول جوهر القضية المطروحة المتمثلة فى قيمة الزيادة العادلة للإيجار والتوافق عليه عبر النقاش العام.
التصور المسبق الذى تأتى به الدولة ليس من المُسلَّمات كما جرى مع قانون المسؤولية الطبية الذى راجعته، وكما سيجرى مع قانون الإيجار القديم، فتلك الرغبة المحمومة على وضع نص يتيح طرد المستأجر بعد سنوات خمس أو سبع كارثة حقيقية يجب التراجع عنها وبحث مسألة الشرائح التى على أساسها سيتم رفع القيمة الإيجارية.
النقاش حول قضايا السياسات العامة ومشاكل المحليات يُعلِّم الناس فضيلة النقاش العام حول قضايا تخص مصالحهم ويعودهم على الوصول لحلول وسط ومواجهة الحكومة بالأدوات السلمية إذا شعروا أنها تغبن حقوقهم وهو يمثل مسارًا آمنًا للانتقال فى المستقبل القريب إلى مناقشة القضايا السياسية الكبرى المتعلقة بطبيعة النظام السياسى القائم وتداول السلطة وغيرها.