بقلم : عمرو الشوبكي
«إسرائيل لا تعرف إلا لغة القوة».. مقولة قديمة رددها كثيرون فى العالم العربى، وبالقطع أثبتت الأيام أن القوة ليست أساسا القوة العسكرية إنما القوة السياسية والاقتصادية، والحضارية، والتأثير الإقليمى، والدولى.
والحقيقة إنه بعد كل الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين فى غزة والممارسات اللاإنسانية التى قامت بها من تجويع وحصار وتدمير متعمد للبنية التحتية المدنية، فهل يمكن أن تتوقف أو بالأحرى هل يمكن ردعها؟
الحقيقة لا يمكن أن يتم ذلك إلا فى حالة نجاح المجتمع الدولى فى الضغط على إسرائيل لكى تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار وتنفذ المرحلة الثانية من خطة ترامب وهو ما لن يتم دون فعالية عربية وتحرك أمريكى.
والحقيقة أن أحد أسباب ضعف القوة المقابلة لإسرائيل يرجع إلى حركة المقاومة نفسها، فهو أمر نادر الحدوث أن نجد حركة مقاومة مثل حماس لا يستطيع قادة جناحها السياسى التواصل الدقيق مع جناحها العسكرى حتى يحسبوا بشكل دقيق تداعيات عملية عسكرية بحجم 7 أكتوبر، التى لم يعرف قادة الجناح السياسى موعدها، وحتى المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطينى ليس لها علاقة بقادة حركة حماس السياسيين، على عكس تجارب حركات التحرر الوطنى التى كان لقادتها السياسيين حضور فى كل دول العالم من منظمة التحرير الفلسطينية مرورا بجبهة التحرير الجزائرية وانتهاء بالمؤتمر الوطنى الإفريقى الذى قدم قائدة نيلسون مانديلا نموذجا ملهما فى هذا التداخل العضوى بين السياسى والعسكرى وهو صاحب الجملة الشهيرة: «اتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبى، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصرى» وهو ما حدث.
إن ترك الخيار العسكرى يقرر تقريبا منفردا خيارات حركة مقاومة لم يحدث تقريبا إلا مع حركة حماس لاعتبارات كثيرة تتعلق ببنيتها العقائدية واستهداف إسرائيل لها وتعمق الانقسام الفلسطينى، كما أن من اختاروا المسار السياسى نتيجة نضال مسلح وشعبى على يد منظمة التحرير تحولوا بعد أن أصبحوا سلطة إلى جهة مراقبة وإدانة لأى تحركات مسلحة لفصائل المقاومة ولم يحاولوا ترشيد تحركاتها وضع استراتيجية لإنهاء الانقسام الفلسطينى.
ردع إسرائيل احتاج إلى فعل عسكرى وسياسى متداخلين بشكل عضوى، ولكنه حاليا يحتاج للقوة المدنية والسياسية والحملات القانونية بعد انكسار القدرات العسكرية لفصائل المقاومة المسلحة.
سيختبر وزن القوة المقابلة لإسرائيل إذا ظهرت قيادة فلسطينية جديدة تتجاوز انقسام فتح وحماس، وإذا استمر تحرك العالم العربى الداعم لوقف الحرب واستكمال الانسحاب الإسرائيلى، كما يجب أن يستمر الضغط الدولى وأصوات الضمير فى تحركها من أجل الضغط على حكومتها لتكريس وضع إسرائيل كدولة منبوذة خارج القانون والشرعية الدولية.
أوراق القوة لن تكون بالحسرة على سلاح المقاومة الذى انكسر إنما ببناء سلاح مدنى جديد يوثق كل جريمة ارتكبت بحق الإنسانية فى قطاع غزة حتى لا تمر دون حساب.