بقلم : عمرو الشوبكي
عشرات الأسماء لمقابر تاريخية وغير تاريخية جرى هدمها دون رحمة العام الماضى وهذا العام، ومنهم بالطبع أمير الشعراء أحمد شوقى والشاعر والضابط الوطنى الكبير محمود سامى البارودى، ومازالت الحملة على التاريخ والتراث مستمرة حتى لو كانت بدون أسباب واضحة.
اللافت أن قضية الاهتمام بالتراث والمحليات عابرة للمجتمعات والدول والنظم السياسية، فالصين وعت بأهمية الاهتمام بالتاريخ والتراث القديم، ولعل الفيلم الذى سبق أن عرضته قناة بى بى سى البريطانية تحت عنوان «دفتر أحوال رئيس بلدية» وتعرض فيه ليوميات عمدة إحدى المدن الصغيرة وهى «داتونج» تمسك به أهل مدينته ورفضوا ترقيته وذهابه إلى العاصمة لأنه دافع عن التراث وقال «العالم ينظر إلى الثقافة العريقة فى روما وباريس قبل الناتج القومى»، وبات هناك اتفاق عام على دور المحليات فى النظم السياسية باعتبارها «مجالًا آمنًا» لصوت الناس ولا تدخل مباشرة فى الحسابات السياسية الكبيرة، وتسمح للمجتمع بأن يبادر وينتقد فى كل ما يتعلق بالإدارة المحلية والسياسات العامة فى الصحة والتعليم والخدمات، فى ظل قيود معروفة على القضايا السياسية الكبرى الخاصة بجوهر النظام القائم فى الصين وغيرها.
والمؤسف أن هذه صيغة مازالت غير موجودة فى مصر مع غياب المحليات وتراجع المبادرات الأهلية. مما جعلنا نشاهد كثيرًا من حملات التشوية، فجرى تغيير جذرى فى طبيعة كثير من الأحياء مثل مصر الجديدة وغيرها وهدم جانب من تراثها وسحرها، نتيجة غياب النقاش العام مع الخبراء المختصين بتنوعاتهم أو مع سكان هذه الأحياء.
واللافت أن الكبارى التى انتشرت بسرعة البرق فى كثير من أحياء القاهرة ونالت مصر الجديدة نصيب الأسد، لم يتم الانتباه بعدم وجود أماكن آمنة لعبور المشاة، صحيح أن الدولة راجعت الموقف فى بعض التقاطعات، وبنت كبارى للمشاة ووضعت بعض الإشارات (مازالت غير كافية)، بما يعنى أن نظرية السيولة المرورية من خلال الكبارى غير صحيحة فى الأحياء السكنية (صحيحة على الطرق السريعة)، وأن الدوران الحر U turn يرحل المشكلة من الميدان المنظم والمنضبط بإشارات مرور إلى تكدس مرورى عند «اللفة العشوائية».
والسؤال: ألم يكن أفضل للجميع الاستماع لآراء خبراء ممن يحملون رأيا مختلفا فى «تطوير» الأحياء، وأن يشركوا الأهالى أيضًا فى نقاش عام حقيقى حول أولوياتهم وما يرونه مناسبًا لتطوير أماكن سكنهم؟، الإجابة بالقطع: كان أفضل. وألم يكن من الأفضل أيضا الاحتفاظ بالمقابر التاريخية والتمسك بالمقترح الذى أرسله الخبراء الحقيقيون للدولة بأن تكون هناك مسارات لزيارات أثرية وسياحية منظمة «لجبانات القاهرة»، فكان هناك مسار لأهم رجال الدين وعلماء الطب والأدباء والفنانين والشعراء والسياسيين والعائلة المالكة وغيرهم.
المطلوب الاستثمار فى ثقافة البشر المقيمين هناك ووعيهم وليس فقط الاستثمار فى الحجر.