بقلم:عمرو الشوبكي
الحوار الذى أجرته قناة «سكاى نيوز عربية» مع زعيم المعارضة الإسرائيلى «يائير لابيد» لم يقل فيه أى كلام معارض للتوجهات الحالية، حتى لو كان يختلف مع أداء نتنياهو وإداراته إلا إنه فى الجوهر والمضمون يختلف فى الشكل.
أخطر ما قاله هو إجابته عن سؤال حول رأيه فى معاناة الفلسطينيين والقتلى المدنيين من الأطفال والنساء بسبب الحرب، حتى وصل الأمر إلى قتل ناس أبرياء يبحثون عن الطعام، والإجابة كانت فى بضع كلمات: إن إسرائيل يجب أن تعطى أولوية أكثر للنفس البشرية رغم أنها الدولة الوحيدة التى «تطعم الشعب الذى تحاربه»، فى إشارة إلى أنها تقوم بالإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية لأهل غزة ونسى أو تناسى أنها قتلت منهم المئات أثناء بحثهم عن الطعام.
لم يقل «زعيم المعارضة» كلمة واحدة عن المدنيين الفلسطينيين يبدو فيها أنه متعاطف مع الأطفال والنساء الذين تقتلهم إسرائيل، ولم يفرق معه أنها قتلت ٤٪ من سكان غزة وهى أعلى نسبة لقتل مدنيين فى حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ما قاله لابيد أهميته وخطورته أنه يدل على أن قاعدته الانتخابية لم تعد كما كانت فى الوسط، إنما اتجهت ليس فقط نحو أقصى اليمين إنما تقبلت استهداف المدنيين وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية متصورة بذلك أنها ستمنع الشعب الفلسطينى من القيام بأى فعل مقاوم مهما كان شكله، ويبقى الاحتلال قائما.
إن خطاب النخبة الإسرائيلية فى الداخل والخارج وفى الحكومة والمعارضة لا يحرض فقط على الكراهية والعنصرية، إنما يعطى غطاء سياسيًا لجرائم الإبادة الجماعية وقتل المدنيين والأطفال بشكل متعمد، وإن هذا الخطاب بات مدعوما من الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلى، وهو أمر غير مسبوق فى تاريخ الحروب الاستعمارية الحديثة، حيث اختار مجتمع أن ينحاز لمنظومة قيم تبرر الإبادة الجماعية والقتل والتهجير كحل للقضية الفلسطينية، وأصبح بذلك كأنه جزء من بعض حروب القرون الوسطى التى طُرحت فيها مثل هذه الأفكار والممارسات.
إن البيئة الداعمة لزعيم المعارضة الإسرائيلى لا تختلف فى الجوهر عن تلك التى تدعم نتنياهو، فهى تعتبر القتل واستهداف الأطفال والنساء بشكل متعمد وسيلة مقبولة لردع الفلسطينيين، وأصبحنا أمام مشكلة لا تخص الحكومة والمعارضة إنما مشكلة فى بنية المجتمع الإسرائيلى وفى ثقافته ومنظومة قيمه التى ترفض الآخر وتعمل على إزالته من الوجود.
إن تواطؤ العالم الغربى مع إسرائيل واعتبارها دولة محصنة فوق القانون الدولى والمحاسبة عزز من هذه الأزمة الهيكلية، وجعل خلاف المعارضة والحكومة واردا فى كل شىء، إلا فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطينى، فهنا يتفق الجميع على أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة، وأن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وقتل النساء والأطفال أمر مقبول فى إطار «الدفاع عن النفس».