بقلم:عمرو الشوبكي
مع أى حادثة مؤلمة تشهدها مصر، سواء كانت على طريق سريع أو فى مبنى حكومى، فإن السبب الجاهز دائمًا هو الإهمال ورعونة السائقين ومسلسل من التبريرات المعلبة التى تعنى استمرار نفس السياسات وتكرار نفس الحوادث.
والحقيقة أن حريق سنترال رمسيس الذى راح ضحيته ٤ شهداء، وحادثى الطريق الإقليمى الذى راح ضحيته ٢٨ شهيدًا وعشرات المصابين، تعكس أزمة فى التفكير والأداء معتمدة منذ سنوات، وتقول إن الحل مع السنترال القديم هو بناء جديد، ومع أى طريق قديم هو أيضا بناء جديد وغابت فكرة تطوير وتحديث القديم.
لقد بات من الواضح أن الكلام عن الرقمنة والجيلين الرابع والخامس من الهواتف المحمولة والسنترالات الجديدة «الشيك» هو لزوم اللقطة والصورة، وإن قلب مصر وعقلها مازالا فى القاهرة التاريخية بمبانيها التى تُهدم وموظفيها الذين يعملون فى صمت بعيدًا عن الشو واللقطة، وإن سنترالًا مثل رمسيس مازال هو قلب الاتصالات فى البلد، حتى لو أصابه الإهمال وعدم الاهتمام، وإن المؤسسات والمبانى الحقيقية هى الأولى بالتطوير والتحديث من ماسبيرو العريق إلى كل مبنى اتصالات حكومى مازال يعمل فى مصر.
والمؤكد أن عبء وخدمات الدين التى تجاوزت ١٥٠ مليار دولار وارتفاع الدين الخارجى فى الربع الأول من هذا العام إلى ١.٦ مليار دولار يقول إنه من الضرورى إجراء مراجعة جذرية للسياسات التى أدت إلى هذا الوضع، وعلى رأسها الإنفاق غير المسبوق على الإنشاءات والكبارى والمحاور والمشاريع غير المنتجة، التى مثل جانب منها هدرًا للمال العام وتجاهلًا للعلم ودراسات الجدوى وأولويات الإنفاق.
التأخر فى استكمال توسيع الطريق الإقليمى قابله إعادة رصف ٤٠٠ كيلو ذهابًا وإيابًا فى طريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوى أنفقت عليها مليارات الجنيهات، رغم أن حالتها كانت جيدة ولا تمثل إعادة رصفها أولوية، وامتد مجال الإنفاق فى غير محله إلى ما عرف بتطوير الحدائق من المنتزه إلى القلعة حتى حديقة الحيوان، كما هُدم جانب من المقابر التاريخية لصالح محور أجمع الخبراء الذين اختارتهم الدولة أنه لا يمثل أولوية وسيوفر دقيقتين فقط وكانت له بدائل له.
ما يجرى على الطرق المنسية كارثة حقيقية، وما جرى فى سنترال رمسيس رسالته أكبر من مجرد حريق بسبب ماس كهربائى أو إهمال أو حمولة زائدة، إنما يقول إن مشاكل مصر كثيرة وحلها لن يكون إلا بمسارين: الأول الاستثمار فى البشر الذين يعملون فى كل مؤسسة عامة حقيقية مهما كان الغبار المنثور على مبانيها، وحتى لو كانت مداخلها ليست فخمة، فهؤلاء هم نقطة البداية والانطلاق، والثانى الرهان فقط على الأعمال والمشاريع المنتجة التى تحمل جهد رجل الصناعة، وعرق رجل الزراعة، وعلم رجل الاقتصاد، وكفاءة رجل السياسة، أى كل ما يعزز المضمون قبل الشكل.