ترمب بين السياسة والحكم

ترمب بين السياسة والحكم

ترمب بين السياسة والحكم

 العرب اليوم -

ترمب بين السياسة والحكم

بقلم : مصطفي الفقي

لم تحظ زيارة رئاسية في التاريخ المعاصر للمنطقة العربية بمثل ما حظيت به زيارة دونالد ترمب لكل من السعودية وقطر والإمارات من حفاوة وتكريم واهتمام سياسي وإعلامي فاق التصور، وذلك لأسباب كثيرة، يقع في مقدمها أن الرئيس الأميركي هبط إلى العواصم الثلاث في ظل ظروف إقليمية ودولية صعبة، فهو منتخب لكرسي الرئاسة في واشنطن منذ أشهر قليلة وبغالبية مريحة بعد تصريحات نارية وعبارات توحي بأن الرئيس الأميركي في دورته الثانية بعد دورة أولى وصل منها رئيس أميركي بلا صوت مرتفع أو كاريزما صاخبة ونعني به جو بايدن، الذي توالت في عهده نكبات إقليمية ودولية لعل أبرزها الحرب الروسية – الأوكرانية، ثم الحرب الأهلية الدامية في السودان ثم الحرب المروعة على شعب غزة وسقوط عشرات الألوف من الضحايا في كل منهما.

جاء وصول ترمب إلى الحكم وكأنه توقيت جديد وحال مختلفة، فقد تطلعت الأمم والشعوب إلى رئيس أميركي قوي بغض النظر أن نكون معه أو ضده، لكنه يعبر في النهاية عن أقوى دولة عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً في عالمنا المعاصر، لذلك كان وصول ترمب إلى الحكم هذه المرة ووراءه رصيد معرفي واضح بملامح شخصيته المتفردة وخروجه على التقاليد والأعراف لتحقيق سياساته التي يتطلع إلى نتائجها مئات الملايين من البشر، ولقد استهل ترمب فترة ولايته الحالية بزيارة السعودية مثلما فعل في ولايته الأولى منذ أعوام عدة، وكأنما يتفاءل بالأرض المقدسة ويرى أنها نقطة انطلاق لفترة جديدة وسياسات مختلفة.

لقد جرى استقبال الرئيس الأميركي في الرياض بحفاوة أسطورية لا تعبر عن رصيد مضى وحسب وإنما تمهد لمستقبل قادم من التعاون بين الرياض وواشنطن في شتى المجالات الدولية والإقليمية بل والتكنولوجية أيضاً، كذلك فإن ذلك اللقاء يأتي في ظل ظروف دولية عاصفة وأوضاع إقليمية معقدة، فالحرب الروسية - الأوكرانية لم تضع أوزارها بعد، وإن كانت قد بدأت تلوح في الأفق بوادر احتمالات لنجاح جهود ترمب في الوصول بالجانبين الروسي والأوكراني إلى مائدة المفاوضات المباشرة التي تبدأ باستضافة تركية قد تكون بداية لحلحلة الأوضاع بينهما.

كذلك فإن الصراع العربي - الإسرائيلي قد يأخذ منحنى جديداً بعد التراجع الواضح في العلاقة التي كانت حميمية بين نتنياهو وترمب، واتجاه واشنطن إلى إجراء تسويات مباشرة من خلال مفاوضات جادة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والولايات المتحدة الأميركية ربما جاء بعضها من وراء ظهر إسرائيل، وهو أمر يدعو إلى التفاؤل الحذر الذي يعتمد الشواهد الجديدة التي قد تكون إرهاصات إيجابية لرؤية أميركية مختلفة إزاء ذلك الصراع المزمن في الشرق الأوسط.

كما أن ما يجري في السودان واليمن وربما في ليبيا أيضاً سيحظى لا محالة بلفتات ترمبية تعيد الاستقرار لديها بالأسلوب نفسه الذي نجح به ترمب في إيقاف القتال ورأب الصدع بين الهند وباكستان، ولم يغفل الرئيس الأميركي الجديد عن الثغرة الكبرى في الشرق الأوسط ونعني بها التطلعات الإيرانية للبرنامج النووي فقد تحقق لكثير من الدول ولكنه استعصى أميركياً على الحالة الإيرانية بالذات، وذلك لأسباب تتصل بدور إسرائيل ومخاوفها من وجود قوة نووية لدى الدولة الفارسية تتمكن بها من تهديد الغير، بدءاً من تل أبيب التي تحوي ترسانة نووية كبرى ولا أحد يراجعها في ذلك! فسياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين هي حقيقة واضحة في العلاقات الدولية المعاصرة.

ولنا هنا ملاحظات عدة حول شخصية الرجل الأقوى في عالمنا المعاصر وهو رئيس الولايات المتحدة الأميركية بصلاحياته الواسعة وسياساته الغريبة وأسلوب حكمه الفريد الذي يجعل العالم أحياناً واقفاً على أطراف أصابعه متوقعاً الجديد أو منتظراً مفاجأة لم تكن في الحسبان، ولعلي ألخص العلاقة بين ترمب الرئيس الأميركي وترمب رجل الأعمال وصاحب المشاريع في ميادين المال والتجارة من خلال النقاط الآتية:

أولاً: إن الرئيس الأميركي "مطور عقاري" يستطيع أن يتحرك بالشركة الخاسرة إلى شاطئ النجاح، كذلك فإنه رجل أرقام وحسابات، والمكسب والخسارة ليسا مجرد أرقام ولكنها مؤشرات ودلالات تسمح له بالتحرك في الاتجاه الذي يحقق الأرباح لحكمه وسياساته، ولأننا في عالم الأقوياء فإن قدرة الرئيس الأميركي على استعراض عضلاته السياسية معتمداً على دور بلاده الضخم في العلاقات الدولية المعاصرة، كل ذلك يؤدي به إلى اختراق الصورة النمطية لرئيس أميركي عابر إلى صورة حاكم فردي إصلاحي النزعة، ولكنه ثوري الأسلوب يعتمد في ما يفعل على قناعات الآخرين به، التي تبدو غير مألوفة أحياناً ولكنها في النهاية مقبولة ضمناً.

وترمب يستخدم أسلحة عدة في صراعه مع الماضي وتحدياته مع الحاضر، وهو لا ينسى أبداً أن الاقتصاد هو الذي يقود قاطرة العالم ويحرك السياسات ويرفع من قدر الدول عند اللزوم، وتتحدد نظرته للدول من خلاله أيضاً، فهو يرى في السعودية مشروع عملاق اقتصادي عالمي معاصر لذلك فهو يتجه نحوها ويقترب منها، ولقد وُقع عدد من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية وأيضاً الأبحاث المستقبلية في مجالات الفضاء وعالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مما يؤثر في مستقبل العلاقات بين البلدين ويدعم الوجود العربي على الساحة الدولية بصورة كبيرة، ونحن نرى أن ما تحقق للسعودية في ظل إدارتها الجديدة وحكمها العصري بمثابة نقطة إيجابية ستكون مفيدة في حلحلة بعض الأزمات والمشكلات التي يعانيها العرب اليوم في علاقاتهم الدولية المعاصرة.

ثانياً: مرت بخاطري صورة نابليون عندما جاء إلى مصر في مطلع القرن الـ19 ومعه حشد من العلماء حتى أصبحت الحملة الفرنسية في ذلك الوقت هي إيذان بدخول الشرق دائرة التقدم الغربي، ومنذ ذلك الحين ونحن نوقت للدولة المصرية الحديثة بوصول نابليون وحملته الفرنسية، والمقارنة هنا مختلفة بالطبع فالدولة السعودية قائمة ومستقرة وتحقق معدلات للنماء والازدهار قبل ترمب وبعده، ولكن استخدامه التقدم التكنولوجي واصطحابه عدداً من العلماء وكبار رجال التكنولوجيا في العالم المعاصر وفي مقدمهم إيلون ماسك بدت لي مؤشراً إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة لفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والشراكة القوية في برامج التقدم التكنولوجي. وهذه نقطة ذكية ولا شك تحسب لترمب الذي وضع العلاقات السعودية - الأميركية في مستوى مختلف عما كانت عليه من قبل، وهو بذلك يضع أسساً طويلة المدى لشراكة عصرية ناجحة يستفيد منها الطرفان على نحو واضح.

ثالثاً: إن مضي المشكلات السياسية الإقليمية موازية لما يجري في المنطقة واتخاذ ترمب مبادرات بناءة، في مقدمها الوعد برفع العقوبات الدولية عن الدولة السورية الجديدة، بل ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع الرئيس الأميركي، مما يعني اعترافاً كاملاً بالنظام السوري الجديد، كذلك كان حديثه متعاطفاً وحامياً مع الدولة اللبنانية ومباشراً وواضحاً مع الدولة الإيرانية، التي أشار إلى تدهور اقتصادها وتطلعه إلى أن تلحق بالركب الذي ينطلق حالياً من أجل التنمية والبناء بدلاً من الصراعات وتكوين الميليشيات وخوض الحروب.

إننا إذا استعرضنا العلاقة بين ترمب الشخص وترمب الرئيس سنجد أن كليهما يخدم الآخر، فقد استطاع في فترة وجيزة وأشهر قليلة أن ينفخ نوبة صحيان تمتد بطول الدنيا وعرضها، وأنا أرى أن الحاكم القوي حتى لو كان معادياً أفضل من الحاكم الضعيف حتى لو كان مؤيداً، ونحن ما زلنا نرقب في عالمنا المعاصر الدور الأميركي الذي نريده أن يكون أفضل من ذي قبل، بل وأقرب إلى العدالة في قضية العرب الأولى وهي القضية الفلسطينية التي تحدث فيها الطرفان السعودي والأميركي منذ حوار الملك عبدالعزيز الكبير والرئيس الأميركي روزفلت، وصولاً إلى الحوار الحالي بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب.

arabstoday

GMT 20:08 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

وهل كنا نعيش في المدينة الفاضلة؟!

GMT 20:04 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

الأهلي ومدربه الجديد ريفيرو

GMT 19:47 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

موخيكا : من يعشق المال لا مكان له في السياسة…

GMT 12:16 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

بغداد والشرع وظلُّ ترمب

GMT 08:11 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

إسرائيل تسرق ذاكرة سوريا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب بين السياسة والحكم ترمب بين السياسة والحكم



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:22 2025 الأحد ,18 أيار / مايو

لماذا ترفع العقوبات عن دمشق؟

GMT 00:26 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

غوتيريش يطالب بوقف إطلاق نار دائم في غزة

GMT 01:31 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

25 قتيلاً في عواصف عنيفة في أميركا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab