عن الذين طالتهم «حرفة الأدب»

عن الذين طالتهم «حرفة الأدب»

عن الذين طالتهم «حرفة الأدب»

 العرب اليوم -

عن الذين طالتهم «حرفة الأدب»

عمار علي حسن

لا يمكن لتاريخ الثقافة العربية أن يتجاوز المشهد الذى يجسد حركات ونبضات أبوحيان التوحيدى، وهو يجثو على ركبتيه ليأكل من حشائش الأرض، ويتصاعد خلفه دخان كتبه العميقة علماً والمتفجرة إحساساً، بعد أن أحرقها لأنها لم توفر له لُقيمات يقمن صلبه المكدود من عناء البحث النهم عن المعرفة، والسعى الجاد وراء الحقيقة.

فهذا المشهد، أعيد إنتاجه بشروط مختلفة فى الدرجة، ولأسباب متنوعة، فوخز ضمائر حية، وارتجفت له قلوب رحيمة، ووجد فيه كثيرون دليلاً دامغاً على بؤس علاقة المثقف بالسلطة، لأن النار التى أحرقت ما أنتجته قريحة التوحيدى المتوقدة، لم تتوقف ألسنتها المشتعلة عن الامتداد فى الزمن، لترمز إلى احتجاج لا يتوقف من مثقفين ومبدعين وعلماء جوعى ومرضى، يطيلون النظر فى أغلفة كتبهم، أو لوحاتهم البديعة، أو ابتكاراتهم العلمية، دون أن يمتلك أحدهم شجاعة التوحيدى، ويطعم النيران الورق أو الألوان، وربما لم يجرف أحدهم اليأس إلى تلك الدرجة المتردية، التى يشعر فيها المثقف بعدم جدوى ما يفعله، لا للمجتمع، ولا لنفسه وذويه.

ففى زماننا هذا تجول الأديب المغربى محمد شكرى على القمامة ليلتقط ما يقيم أوده. وبات الشاعر المصرى عبدالحميد الديب ليالى طويلة خاوى البطن. وأكل العجز والكساح عبدالحكيم قاسم، دون أن يلقى له أحد بالاً، رغم موهبته المتوحشة وإنتاجه الأدبى الغزير. ولم يجد الروائى الجميل علاء الديب ما يدفعه لعلاج مرض عضال أصاب قلبه، وهو الحاصل على جائزة الدولة التقديرية فى مصر. واستشهد فارس الرومانسية الروائى محمد عبدالحليم عبدالله على يد سائق تاكسى لخلاف على قيام الأخير بزيادة الأجرة بمقدار خمسة قروش فقط. وتشرد الروائى السورى حنا مينا سنوات طويلة فى بلاد غريبة بحثاً عن بضع ليرات. وحصل خيرى شلبى من بيع رواياته للسينما على أقل مما يناله ممثل كومبارس. وكان أمل دنقل ونجيب سرور يهيمان على وجهيهما جائعين مريضين فى شوارع القاهرة المفتوحة على الغربة والضياع. وباع أدباء العراق كتبهم فى زمن الحصار. وباع كثيرون ضمائرهم وقناعاتهم تحت ضغط الحاجة الملحة للغذاء والدواء والكساء والإيواء.

وداخل أسوار الجامعات العربية الحبيسة، وفى مراكز الأبحاث المهملة، آلاف العقول المتوقدة، لعلماء أجلاء، قلوبهم عامرة بحب الوطن، وأذهانهم مشغولة بالتجارب والاكتشافات، وجيوبهم خاوية، وأياديهم على أفواههم المقددة، بحثاً عن حد الكفاف، فى بلاد تنفق على اللهو أضعاف ما يدفع لتطوير البحث العلمى.

إنها مشاهد متناثرة، لا تشكل سوى أمثلة قليلة على هوان المثقف العربى وفقره، وانسحاقه أمام ظروف قاهرة، يضيع جل وقته فى ترويضها، أو التحايل عليها، وقد يستسلم لها فى خاتمة المطاف. ويمتد هذا التحايل أو ذاك الانسحاق من المواقف السياسية والاجتماعية الكلية إلى المسائل المرتبطة بنشاط المثقف نفسه، أو ما ينتجه من إبداع.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن شعراء العامية، فى عالمنا العربى، يهجرون أحياناً، هذا اللون من الأدب، نظراً لعدم إقبال المجلات الثقافية على نشره، ويلجأون لكتابة القصائد الفصحى، سواء كانت نثرية أم عمودية، حتى يحصلوا على أى مقابل مادى لإنتاجهم الأدبى.

وينطبق هذا الأمر أيضاً على القصة القصيرة، فنظراً لاعتبارات المساحة، فإن فرص نشرها تبدو أكبر بكثير من فرص نشر الرواية، ولذا يُقبل الروائيون عليها، أحياناً، طلباً للرزق، ويظلون ينتجونها رغم ما يقال عن أننا نعيش فى «زمن الرواية».

ويهجر الشعراء والروائيون الكتابة الإبداعية إلى المقال الصحفى السيار، لأنه الأكثر دراً للمال، أو الأكثر طلباً عند جماهير تردى الذوق العام لأغلبيتها إلى مستوى مخيف. وفى خاتمة المطاف يتحول كثير من المثقفين إلى «طيور ترتضى أن تعيش حول الطعام المتاح» كما يقول أمل دنقل، بعد أن ارتخت المناشير والمناقير، فتصير الصقور عصافير مهيضة الأجنحة، وتصبح العصافير ذباباً يطن فوق أوطان خربة.

arabstoday

GMT 20:23 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة إلى سموتريتش: السعودية دولة تملك التاريخ والجغرافيا

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

يتيمة العصر

GMT 09:54 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك... المُطلق

GMT 09:52 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نحن وتاريخنا...

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ممرٌ ترابي في اتجاهين

GMT 09:47 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب ــ آسيا... بين المواجهة والتفاوض

GMT 09:46 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

«حماس» تفاوض على استبعادها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الذين طالتهم «حرفة الأدب» عن الذين طالتهم «حرفة الأدب»



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة
 العرب اليوم - عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 01:56 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس السوري أحمد الشرع يجتمع بمسؤولين سعوديين في الرياض

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 08:03 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يصعد بعد تراجع مخزونات الخام الأميركية اليوم الأربعاء

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 14:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ساناي تاكايتشي تستعد لترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 12:49 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يمتدح إيلون ماسك بعد خلاف طويل ويؤكد حبه الدائم له
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab