الخامسُ من جويلية/ يوليو، الجارى، هو تاريخُ ذكرى عيدِ استقلال الجزائر، حيث نالَ الشعبُ الجزائرى حرّيتَه واستقلالَه بعد ثورةٍ عظيمةٍ، هى ثورةُ المليونِ ونصفِ المليونِ شهيد.
وفضلًا عن الكفاحِ المُسلحِ الذى قامَ به الشعبُ الجزائرى المناضلُ، ضد استعمارٍ غاشمٍ، ظلَّ لمدةِ أكثر من قرنٍ وربع، يحاولُ، ليس فقط، الاستعمار بمعناه العادى، بل كان يريدُ طمسَ هوّيةِ الشعبِ الجزائرى بكافةِ مقوماتِه، فكان هناك بالتوازى، نضالٌ آخرُ، هو النضالُ بالقلمِ، ومِن هؤلاءِ المناضلين، الشاعرُ الكبير «مُفْدِى زكريا»، رحمَه الله.
هو «مُفْدِى زكريا»(١٩٠٨ -١٩٧٧)، شاعرُ الثورةِ الجزائرية، الذى خلَّدَ تاريخَ الجزائرِ فى شعرِه، من أشهرِ مؤلفاتِه، ديوان «اللَّهبُ المقدّس»، و«إلياذةُ الجزائرِ»، التى بلغتْ ألفَ بيتٍ من الشِّعرِ، وتُعدُّ «الإلياذةُ» ملحمةً شعريةً، تروى تاريخَ الجزائرِ منذ القدمِ حتى بعد الاستقلال، وتتغنى بأمجادِها وببطولاتِ شعبِها الأبى.
وإذْ لُقبَ «مُفْدِى زكريا» بـ «شاعر الثورة»، فبسببِ دورِه فى الحركةِ الوطنيةِ وكتابتِه للنشيدِ الوطنى الجزائرى، «قَسَمًا». وهو النشيدُ الذى كتبَه فى سجنِ «سَرْكَاجى»، «بَربَرُوس» سابقًا، مع العديدِ من قصائدِه الأخرى الهامة!
كان السجنُ مسرحًا للإبداعِ، لأمثالِ «مُفْدِى زكريا» من الوطنيّين المناضلين بالقلمِ والدمِ من أجلِ وطنِه، فأصبحَ أيقونةً شعريةً وطنيةً، حيث كانت الثورةُ الجزائريةُ الخالدة، مُلهمتَه العظيمةَ، والذى مازلنا نُردّدُ معه:
((شغلْنا الوَرى، وملأْنا الدُنا بشـعرٍ نُرتـِّلُه كالـصلاة/
تسابيحُه مِن حَنايا الجزائر)).
ولأنّنى أُحبُّ دائما ربطَ مقالاتى بالبُعدِ القومى العربى، أُجدّدُ التذكيرَ بالعلاقةِ بين «مِصرَ» و«الجزائر» الممتدةِ فى عُمقِ التاريخِ، بالنسبةِ للنشيدِ الوطنى «قَسَمًا»، الذى كتبَه «مفدى زكريا»، وقد لحنه الموسيقارُ المِصرى الكبيرُ «محمد فوزى» رحمه الله.
وقد قامَ «محمد فوزى» بالتلحينِ، بلا مقابلٍ، هديةً للشعبِ الجزائرى.
و تمَّ اعتماد نشيدِ «قَسَمًا» فى ١٩٦٣، كنشيدٍ وطنيّ للجزائرِ الحُرّةِ بعد استقلالِها فى ٥ جويلية ١٩٦٢.
أما قصةُ تلحينِ النشيدِ فى «مِصرَ»، بعد سفرِ «مُفْدِى زكريا» إلى القاهرة، ولقائه بالأستاذِ «محمد فوزى»، وتفاصيل أخرى...؛ فقد كتبتُها فى مقالٍ سابقٍ، موسومٍ بـ(( النشيدُ الوطنى بين «فوزى» و«مُفْدِى زكريا»))، وذلك على صفحاتِ منبرِنا الموَّقرِ «المصرى اليوم» الغرَّاء.
أما عن العروبةِ التى كان يؤمنُ بها «مُفْدِى زكريا»، إيمانًا قويًا، فكتبَ:
(وُهِـبنا العروبـةَ جنسًا ودِينًا/
وإنـَّا بمـا قدْ وُهِـبنا رضـينا
إذا كـانَ هـذا يـوحدُ صـفًا/
ويـجمعُ شَمْـلًا، رفـعنا الجَبينا)..
هذا جزءٌ من نصٍّ طويلٍ، ضمتْه «الإلياذةُ» العظيمةُ، يفتخرُ فيه ويعتزُّ بالعروبةِ، بوصفِها الهويةَ والانتماءَ.
المجدُ للأُمَّةِ العربيةِ.