إيران و «داعش» وسياسة المكابرة

إيران و «داعش» وسياسة المكابرة

إيران و «داعش» وسياسة المكابرة

 العرب اليوم -

إيران و «داعش» وسياسة المكابرة

حازم صاغية

قبل قمة الدوحة وبعدها، والكلام على «أطماع» إيرانية في الخليج من مألوف اللغة السياسية. وثمة مراقبون ذكروا مُحقين أن شاه إيران كان صاحب أطماع مبكرة حملته على توهم الحلول محل بريطانيا في الخليج، ثم دفعته إلى احتلال الجزر الثلاث. لكن علاقة الشاه بالولايات المتحدة كانت تضبط أطماعه الإمبراطورية وتحد منها، بحيث ظهر من يقول آنذاك إن التمدد الشاهنشاهي استراتيجي محض لا تخالطه أبعاد ثقافية أو اقتصادية أو أي محاولة لتحويل السكان. كما ظهر بين نقاد أميركا وكارهيها من يسمي إيران الشاهنشاهية «إمبريالية فرعية» تقوم بما تقوم به لصالح واشنطن.

وهذا كله، كائنة ما كانت درجة صحته، لا ينطبق على النظام الخميني الذي يمتد نفوذه من اليمن إلى لبنان، مروراً بسورية والعراق، مع إبقاء لسان له في غزة. وهو يتقدم مشبعاً بأيديولوجية موجهة إلى الأرض والسماء معاً، لا يساورها الشك بيقينها المعروض على طلاب الخلاص.

وخمينيو إيران اختاروا مبكراً النهج هذا، فتخلصوا من وجوه في ثورتهم كبازركان ويزدي وقطب زاده وبني صدر. هؤلاء، كلٌّ بطريقته، أدركوا أن الطموح الإمبراطوري المشوب بالملحمية لم يعد يلائم المعاصرة في عالمنا. فالإمبراطوريات، منذ انكسارها المبكر مع الحرب العالمية الأولى، صارت مطالَبة بترشيق جسدها للدخول في بوتقة العالم الحديث والانحلال فيه على هيئة دول– أمم. وإذا صح أن الروس أكثر من كابروا على تلك الحقيقة، فأعادوا إنتاج الإمبراطورية القيصرية بقالب شيوعي، صح أيضاً أنهم لا زالوا يحاولون بعد انقضاء الشيوعية، وبشروط أسوأ كثيراً، نطحَ الصخر ومعاندة الوجهة الغالبة للعالم.

والحال أن من أسباب نجاح المكابرة الإيرانية، الشيعية، وهي ناجحة بدليل الحوار الصاعد بينها وبين الولايات المتحدة، ظهورُ «داعش» بوصفه التعبير عن مكابرة أخرى، عربية وسنية. فهنا استُحضرت «الخلافة» التي سبق أن ألغاها أتاتورك قبل قرن ونيف. وهنا صادمت «داعش» معظم القوى السنية التقليدية، وترفعت عن القضايا الوطنية أو الموضعية، أكانت فلسطين التي شغلت طويلاً الرأي العام العربي، لا سيما السني، أو الثورة السورية. ولربما أمكن تعيين واحد من أصول «داعش» في الفشل الذي حصده صدام حسين حين تمدد إمبراطورياً باتجاه الكويت، ناطحاً الواقع العربي التقليدي، ومطيحاً خرائطه، فضلاً عن تهديده المصالح الغربية وتوهمه الحلول محل اتحاد سوفياتي كان يحتضر لحظتذاك، وباحتضاره تحتضر حرب باردة في انتظار أن يتوهم استئنافَها ساخنةً أسمر عربي. فكما خلفت القيصريةُ الستالينيةَ والبوتينيةَ، والشاهنشاهيةُ الخمينيةَ، خلفت الصداميةُ «داعش»، إلا أن الكثافة الهيمنية للأولى تراجعت فيما تعاظمت الكثافة ذاتها للثانية الشيعية والثالثة السنية.

واليوم، من البديهي أن إيران، ذات الدولة المركزية، تملك حظوظاً أفضل بلا قياس من حظوظ «داعش»، وتقايض العالم بأوراق فعلية مقابل الورقة السلبية التي يملكها تنظيم البغدادي (إرث 11 أيلول/ سبتمبر، قطع الرؤوس، إبادة الأقليات... إلخ)، فالأولى يحاورها العالم إياه الذي يقاتل الثانية. لكن هذا لا يغير في حقيقة اشتراك الطرفين في المكابرة على الوجهة السائدة لعالمنا منذ الحرب العالمية الأولى. وغني عن القول إن الاحتقان والشعور بالتعاسة في هذا العالم، واللذين يولدان المكابرة عند أصحابها، أكانوا إيرانيين شيعة أم عرباً سنة، لا يُعدمان الفصاحة الظافرة، فالمكابر يستطيع دائماً أن ينهل من رطانة أيديولوجية سابقة عليه، فيها ما فيها من مظلومية ومجد وحق و «أصالة». وتواريخنا، التي لم تكن قليلة المكابرة، كثيراً ما تمد من يستلهمها بالمعنى وبالاستعداد للمضي قدماً إلى العدم على شكل قاع صفصف.

arabstoday

GMT 01:37 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

ريادة أعمال دينية!

GMT 01:33 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

في ذكرى ابن رشد

GMT 01:30 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

قائمة شندلر

GMT 01:28 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

فرق توقيت

GMT 01:25 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

الذهب الأبيض كيف يستعيد عرشه؟

GMT 23:25 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

شبنغلر وابن خلدون

GMT 23:23 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

قراءة في الرد الإيراني!

GMT 23:20 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

عودة إلى التراث المغمور بالمياه في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران و «داعش» وسياسة المكابرة إيران و «داعش» وسياسة المكابرة



هيفاء وهبي بإطلالات باريسية جذّابة خلال رحلتها لفرنسا

القاهرة - العرب اليوم
 العرب اليوم - موناكو وجهة سياحية مُميّزة لعشاق الطبيعة والتاريخ

GMT 02:14 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران
 العرب اليوم - الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران

GMT 16:50 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

نيقولا معوض بطل النسخة العربية لمسلسل امرأة
 العرب اليوم - نيقولا معوض بطل النسخة العربية لمسلسل امرأة

GMT 00:00 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

سقوط صواريخ على جبل ميرون في الجليل الأعلى

GMT 20:20 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

مقتل وإصابة 3 أشخاص في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 15:21 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

يسرا تكشف موقفها من دراما رمضان المقبل

GMT 00:24 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الجيش الأميركي يشتبك مع مسيّرتين للحوثي في اليمن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab