تقويض الدولة من لبنان  إلى اليمن

تقويض الدولة من لبنان ... إلى اليمن

تقويض الدولة من لبنان ... إلى اليمن

 العرب اليوم -

تقويض الدولة من لبنان  إلى اليمن

وليد شقير

يكشف القرار القضائي الصادر في حق الوزير السابق ميشال سماحة في لبنان أول من أمس، إزاء الجريمة الموصوفة التي لم يكن أمامه إلا الاعتراف بها نتيجة الأدلة القاطعة التي تدينه، عمّا هو أعمق مما وصفه سياسيون لبنانيون بالفضيحة حيال جريمة نقله متفجرات من سورية لتفجيرها أثناء إفطارات رمضانية عام 2012.

ما جرى يرمز إلى عملية تطويع القانون لأهداف سياسية في قرارات عديدة أخرى صدرت، تتساهل مع استخدام العنف لأغراض سياسية، ليس في لبنان فحسب، بل في معظم الدول العربية التي تتميز بهشاشة الدولة والقانون والمؤسسات.

حين يصدف أن يتمكن المعنيون من قيادة متهمين بالجرائم إلى القضاء، يصبح بديل «عدم الإفلات من العقاب» تبرئة هؤلاء أو إخلاء سبيلهم بغطاء من القانون نفسه، عبر التدخل في قراراته. وإذا كانت الحجة التي تسوغ التلاعب بالقانون هي «مصلحة الدولة»، في بعض الدول التي تَحُول أنظمتها دون تجاوزه، فإن دوسه في بلادنا هو من وقائع الحياة اليومية، إلى درجة التأقلم معه، لاسيما عند أنظمة حكم الاستخبارات والاستبداد التي تمسك برقاب العباد منذ عقود.

انتقل الأمر في لبنان من التلاعب بالقانون بفعل النظام الزبائني والطائفي الذي يفسد المؤسسات ويبرر خرق القوانين، منذ عهد الاستقلال، إلى تسخير القانون لمصلحة الاستخبارات والخيارات والجرائم السياسية منذ أن وقع البلد تحت النفوذ السوري الذي أتقن استنساخ السيطرة على المؤسسات، والقضاء من بينها، فاحتاط كبار ضباطه للأمر بالتدخل في تعيين القضاة، في المراكز الحساسة التي تضمن قرارات غب الطلب بمجرد مكالمة هاتفية. هكذا جرى تركيب ملفات لأناس، لمجرد أنهم خصوم في السياسة، وتمت تبرئة آخرين من جرائم موصوفة لأنهم حلفاء وأصدقاء، وجرت استمالة حياديين بعد أن حظوا بنعمة التدخل لتبرئتهم أو تخفيف الأحكام عليهم.

لكن الأخطر من كل ذلك، أن هذا النهج سوّغ لمن مارسه أن يقوض أسس الدولة برمتها، وأخذ يفرغها من محتواها ويجوف النصوص القانونية ويخضعها لمشيئته تحت مظلة شعارات كبرى وطنية وقومية ونضالية توحي، لترهيب من يخالفها، بأنه متهم بالخيانة إذا عارضها. هكذا خففت أحكام على «عملاء لإسرائيل» ضبطوا متلبسين بالجرم، ونفذت بغيرهم أحكام لأن لا جهة سياسية تبنتهم.

إذا كان ما تقدم يفسر للمعترضين على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لماذا جرى اللجوء إليها كي تحاول الكشف عن قتلة الرئيس رفيق الحريري، وإذا كان الملف المتعلق باغتيال كمال جنبلاط الذي كرر الكشف عن تفاصيل ما يحويه عن الجريمة، النائب وليد جنبلاط الأسبوع الماضي أمام القضاة في لاهاي، لا يقنع هؤلاء، فلأن معيارهم هو الانتماء لمحور سياسي يلصق تهمة أي جريمة بـ «أعداء الأمة والثورة والممانعة». إنه نهج يذهب في تبرير القتل وجرائم الإبادة كما هي الحال في حرب الإبادة التي يخوضها النظام السوري ضد شعبه، ولو بالكيماوي، إلى إباحة الجريمة لمواجهة خيار الخصوم السياسيين. إنها «الحرب»، يقولون، «وطبيعي أن يسقط فيها ضحايا».

إنه النهج نفسه الذي يبرر استخدام سلاح الاستنفار المذهبي في العراق وغيره ويؤدي إلى اضمحلال مؤسسات الدولة لمصلحة مؤسسات رديفة ويقيم دويلات على حساب الدولة المركزية وقوانينها. وهو النهج الذي يقود إلى نشوء النسخة الأخرى من منتهكي القانون والساعين إلى تفتيت المجتمع، في المقلب الآخر.هكذا يبيح قيام «داعش» و «النصرة» والعنف المذهبي الآخر، لمرتكبي الجريمة الأصلية، فيمعنون في سن قوانينهم «بغياب الدولة»، بعد أن حلوا مكانها وساهموا في تغييبها، بحجج يوهمون الجمهور بأنها سامية، وبذريعة مواجهة وحوش الإرهاب.

وهو النهج إياه الذي يستظل شعار محاربة هؤلاء،لانتهاك الحدود، لهدف سياسي آخر، هو حماية النظام السوري في القلمون، مع ما يعنيه من توريط للمجتمع في حرب لا طائل منها.

وهو النهج نفسه الذي يسمح للحوثيين في اليمن «باسم الثورة» بالانقلاب على الشرعية وسن «إعلان دستوري» منفرد ينقض اتفاقات سابقة على الدستور الجديد، ويعطي «الشرعية الثورية» أحقية طرد رئيس واعتقال رئيس للحكومة ووزراء، لأغراض تتعلق بمتطلبات نفوذ طهران في الخليج.

قد يجد البعض في ربط الضجة حيال قضية سماحة بما يجري في الإقليم تضخيماً، لكن ما يجري في المنطقة هو تجويف القوانين المرعية وترويض العالم على شريعة الغاب واضمحلال الدولة في ما يسمى الشرق الأوسط، من أجل إعادة تركيبها وفق معادلات جديدة. أليس هذا هدف الشغور الرئاسي في لبنان أيضاً؟

كسر شوكة القوانين ليس مجرد تمرد بل هو سياسة، بما فيه خرق القرار (القانون) الدولي 2216 في اليمن، تارة عبر إرسال سفينة تعاكس ما نص عليه من تفتيش، بحجة حملها المساعدات، وأخرى عبر رفض ما نص عليه من اعتماد المبادرة الخليجية في الحل السياسي اليمني.

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقويض الدولة من لبنان  إلى اليمن تقويض الدولة من لبنان  إلى اليمن



ثنائيات المشاهير يتألقون ودانييلا رحمة وناصيف زيتون يخطفان الأنظار في أول ظهور عقب الزواج

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 04:34 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

فى مواجهة «حسم»!

GMT 18:42 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

نانسي عجرم تدمج اللمسة المغربية في أحدث أعمالها

GMT 14:14 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

عقلاء وحكماء في بطانة صانع القرار

GMT 15:54 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

صحة غزة تعلن توقف الخدمة في 6 مرافق طبية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab