بقلم : مصطفي الفقي
التقيت مؤخرًا بعدد من الأصدقاء الذين ينتمون إلى الشمال الأفريقى العربى، وسعدت كثيرًا بالروح التى لمستها فى العلاقة بين أصحاب الأصول العربية وأصحاب الأصول الأمازيغية منهم، حتى أنه يستحيل التفرقة بينهم فى الثقافة وأسلوب التفكير ولهجة الحديث، وليس ذلك غريبًا على تلك الدول العربية الإسلامية التى تمثل خط التماس بين شرق المتوسط وغربه وتستوعب الأمازيغ، كما هو الأمر بالنسبة للعرب منهم، ولا تشعر بعصبيات ونعرات تفرق بينهم، بل كان الحديث عن ثقافة الطعام فى المنطقة، وكيف أن مدينة الإسكندرية العريقة فى مصر تمثل بشكل أو بآخر نقطة الالتقاء بين حضارة الأرز شرقًا وحضارة «الزعبوط» المغاربى وتنويعاته فى الشمال الأفريقى، وتذكرت معهم أن ليبيا التى عانت كثيرًا فى السنوات الأخيرة هى تلك الدولة الكبيرة التى تقوم على فيدرالية مستقرة لأنها دولة واسعة الأرجاء ممتدة المساحات والمسافات، وأخذت أفكر فى الظاهرة المصرية المتجانسة رغم المحاولات المستمرة لدق الأسافين بين ما هو فرعونى وما هو عربى فيها، واضعين فى الاعتبار أن نظرية الدماء النقية أصبحت وهمًا فى ذمة التاريخ العلمى، حيث اختلطت الشعوب وتواصلت الأمم، وأصبحنا أمام مزيج بشرى اختفت معه الأفكار العنصرية والنظريات المتصلة بالأجناس المعزولة، وأضحى من العسير الإشارة إلى الدماء النقية، فالمصرى العادى تجرى فى عروقه دماء فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وعربية وغيرهم من أصحاب الحضارات التى توافدت على أرض مصر الطيبة عبر القرون ومع تعاقب الأزمنة، لذلك فإن الحديث الذى يدور حاليًا حول نقاء الجنس البشرى فى منطقة معينة هو نوع من اللهو والسفسطة التى لا تعبر بحالٍ من الأحوال عن واقع المجتمعات والشعوب فى عالم اليوم، وأنا أدهش حاليًا لمحاولات تجرى فى المعامل الطبية والمختبرات التى تسعى لتحديد النسب المختلطة فى دمائهم، وأرى أن ذلك يفتح بابًا يصعب إغلاقه ولكن يسهل التحكم فيه، إذ يجب أن يعتز كل فرد على هذا الكوكب بتركيبته الشخصية والذاتية التى تختلف بالضرورة عن غيره، فلكل مخلوق بصمته الخاصة وصفاته المتميزة، فالله الذى سوى بنان مخلوقاته وجعلها على النحو الذى نشهده، وليتنا ورثنا انتقائية أفضل ما كان لدى الحضارات التى شاركنا فيها واستثمرنا فيها واستوعبناها على مر الزمان، ليتنا نستطيع أن نفعل ذلك حتى يدرك الجميع أننا فى النهاية تركيبة جسدية وعقلية واحدة، والفيصل بيننا يأتى من كيفية توظيف ما وهبه الله لنا من قدرات وما منحه من خبرات منذ ظهر الإنسان الأول على الأرض وهو يقاوم الطبيعة ويحاول تطويع ظروفها القاسية لحياته البدائية، لذلك فإننا يجب أن نتذكر دائمًا فضل الأقدمين، ولنا أن نتخيل كم كانت الحياة البدائية قاسية حينما كان الإنسان يقاوم كل ما حوله من كائنات ومخلوقات ثم كيانات، فالمصرى قد ورث ذكاء أجداده وسرعه بديهة أسلافه فأصبح ابنًا شرعيًا لسبيكة متميزة من حضارات وثقافات وديانات تركت بصماتها القوية على عقله وأسلوب تفكيره ومنهج حياته، ومن العبث أن نحاول الآن نسبة أى منها لعصر معين، فهى تشترك كلها فى ذلك الصراع الأبدى بين الإنسان والطبيعة، وبينه وبين نظرائه فى كل زمان ومكان.. تحية للشعب المصرى بكل أطيافه وأجناسه وأعراقه ودياناته.