وجهان لمأزق واحد

وجهان لمأزق واحد

وجهان لمأزق واحد

 العرب اليوم -

وجهان لمأزق واحد

عريب الرنتاوي

قرأنا عن أزمة في العلاقة بين الفنان اللبناني زياد الرحباني وحزب الله، البعض وصفها بالعابرة والناجمة عن سوء فهم وتفاهم، البعض الآخر قال إنها أبعد من ذلك، وأنها قد تستدعي “هجرة” الفنان ذي الجماهيرية الواسعة في أوساط الشباب اللبناني من مختلف الطوائف، إلى روسيا ... أياً كان الأمر، فإن في الأمر أزمة من نوع ما ومن مستوى معين.

في تشخيص الأزمة، ومن على بعد، نرى أنها نابعة بالأساس من اختلاف مرجعيات الطرفين إن جاز لنا أن نتحدث عن طرفين ... زياد يأتي من بيئة يسارية ممزوجة بنكهة ليبرالية، أو العكس، فيما حزب الله، يصدر عن بعد إيديولوجي صارم، ولا يخفي هويته المذهبية، وهو من داعمي وأتباع نظرية “ولاية الفقيه” في الحكم، وهو سيد المقاومة ومحتكرها كما يقول بعض خصومه وأنصاره، والأهم من هذا وذاك، أنه أول من “أسلم” المقاومة، بعد كانت ذات طبيعة “وطنية”، يجد فيها الشيوعي والقومي والإسلامي و”اللامنتمي” مطرحاً له.

من بين القضايا الخلافية التي قرأنا عنها، تلك المتصلة بـ “احتكار” المقاومة، والميل العام لإنكار إسهامات قوى عديدة في بعثها وانطلاقتها، خصوصاً بعد حرب الاجتياح والحصار في العام 1982، زياد لم يحتمل إغفال الأدوار التي اضطلع بها شيوعيون وقوميون ووطنيون لبنان في إشعال فتيل المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي كان فيه حزب الله، لمّا يزل يخطو خطواته الأولى على هذا الطريق.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فثمة على الساحة الفلسطينية نقاش لا يبتعد عن سجال الرحباني مع حزب الله، وهو سجال ظل في الغالب الأعم من طرف واحد: الرحباني، وكان هناك ميل واضح حزب الله لاحتوائه ووقف تداعياته ... فحماس، أو على الأقل بعضها كوادرها الأكثر غلواً، تميل للاعتقاد بأن تاريخ المقاومة الفلسطينية يبدأ في العام 1987، مع أن الشعب الفلسطيني خاض قبل ذلك مئات المعارك والانتفاضات والمقاومات، وقادت قوى وطنية ويسارية وقومية النضال الفلسطيني، فيما لم تكن فكرة إنشاء حماس قد نضجت بعد عند الجماعة الإخوانية.

والحقيقة أن هذه السجالات، تعكس قدراً كبير من “فجوة الثقة” القائمة بين تيارات الفكر والسياسة والمقاومة في لبنان وفلسطين والعالم العربي عموماً ... كما أنها تعكس ضعف المكانة التي آل إليها اليسار والقوميون والليبراليون العرب، فهؤلاء، وتحديداً من حافظ منهم على موقفهم الوطني ونزعته المقاومة، وجد نفسه ملتحقاً بقوى إسلامية، سنيّة كانت أم شيعية، مع أنه يدرك تمام الإدراك، أنها لم تبق له مطرح في دائرة تحالفاتها، أو على الأقل لم تبق له المكانة التي يريدها ويستحقها.

الوجه الآخر لهذا المأزق، مأزق هذه التيارات، وتحديداً الليبرالية منها، إنما يتجلى فيما نقرأه لكتاب “ليبراليين”، لبنانيين بخاصة، في صحف المهجر اللندنية ... هؤلاء تقف ليبراليتهم عند حدود “النفط والغاز “، بل أنهم لا يترددون في المجاهرة بصداقاتهم الحميمة ، وتمضي مقالاتهم في تفصيل طبائع هذه العلاقات وخصائصها، ولم يتوفروا على مهارة واحدة، دون توظيفها لمصالحهم الشخصية... بعضهم الأكثر احتراماً لقلمه ونفسه وإرثه الشخصي، لم ينزلق إلى هذه الحدود، وآثر “التحليق على ارتفاع شاهق” في مقالاته الدورية.

الفارق بين زياد وهؤلاء بيّن للغاية... زياد لم يبن علاقة مع “المقاومة” على فكرة الارتزاق والتكسب، ولا طمعاً بالجاه والمال، فهو قادر عبر أدواته الخاصة، أن يصنع لنفسه “امبراطورية” فنية – سياسية، ذات شعبية واسعة، وهو فعل على أية حال ... أمّا الآخرون فمن الواضح أن هوامش المناورة لديهم محدودة للغاية، لقد استمرأوا فكرة جمع السلطة والصحافة في سرير واحد، حتى أن أحدهم استحق أن يطلق عليه، كاتب “كل البلاطات” لأنه لا يكتفي بمديح بلاط واحد بعينه.

لكن في الجوهر، يبدو أننا أمام وجهين لمأزق واحد، مأزق اندثار القوى اليسارية والقومية والليبرالية العلمانية، التي تكابد للبقاء، بعد أن توزعت ولاءات أغلب نشطائها ومفكريها بين محورين: الإسلاميون في المعارضة والمقاومة، والجاه والمال عند السلطات الحاكمة حتى وإن كانت ديكتاتورية .

arabstoday

GMT 06:27 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 06:25 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 06:22 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«أوبك» تستشرف مستقبل النفط حتى عام 2050

GMT 06:20 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

GMT 06:18 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

إسرائيل والغضب العالمي

GMT 06:16 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

المسكّنات وحدها لا تكفي

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

تسليعُ المهاجرين

GMT 06:11 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

إسرائيل وسؤال هُوية اليهود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وجهان لمأزق واحد وجهان لمأزق واحد



إليسا تتألق بفستان مرصع بالكريستالات وتخطف الأنظار بإطلالات فاخرة

جدة ـ العرب اليوم

GMT 01:17 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

روبيو يحدد "الحل البسيط" لإنهاء الحرب في غزة

GMT 19:44 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab