لبنان والجدل الدائر ما بين نقد السلاح والانتقاد بالسلاح

لبنان والجدل الدائر ما بين "نقد السلاح" و"الانتقاد بالسلاح"

لبنان والجدل الدائر ما بين "نقد السلاح" و"الانتقاد بالسلاح"

 العرب اليوم -

لبنان والجدل الدائر ما بين نقد السلاح والانتقاد بالسلاح

بقلم : عريب الرنتاوي

من حق اللبنانيين، جميع اللبنانيين، شأنهم في ذلك شأن أشقائهم الفلسطينيين واليمنيين والعراقيين، أن يقولوا ما شاءوا في نقد تجربة "الإسناد" وتقييمها، وأن يطالبوا الدولة والمقاومة، بما يرونه الأنفع لهم ولمستقبل بلادهم...فهم شركاء في الغُرم، وإن كانت شراكتهم فيه قد جاءت بأقدار متفاوتة...وهم شركاء في ماضي البلاد وحاضرها ومستقبلها.

من حق كل منهم، أن يشهر "سلاح النقد" في وجه حزب الله أو الدولة بأجهزتها ودوائرها ورئاساتها الثلاث، أو الأحزاب وأمراء الطوائف والمذاهب والأقوام، فلا "قداسة" لفريق أو جهة، لموقف أو سلوك أو تقدير... وعلى الحزب بخاصة، أن يُصغي بعقلٍ وقلبٍ مفتوحين، وأن يفتح صدره رحباً، لكل ما يعتمل في عقول الناس وصدورهم، من أسئلة وتساؤلات، من انتقادات وحتى "اتهامات"، فالفاتورة التي دفعها لبنان، وبالأخص البيئة الحاضنة للحزب والمقاومة، بلغت حداً من الارتفاع، يُخرج ذوي الألباب عن حكمتهم ورصانتهم.

أن يقال مثلاً، إن الحزب أخطأ بفتح جبهة الإسناد في حربٍ لم يُستشر بها، يعادله قولٌ آخر، بأن الحزب أخطأ حين اعتمد التدرج في فتح النيران، وأن تزامن الجبهات وتوازيها، ربما كان الخيار الأصوب، أقلّه بغرض انتزاع تسوية شاملة، وتقصير أمد الحرب وأكلافها، ما دامت "إزالة إسرائيل" وهزيمتها، لم تكن من ضمن أهداف الحرب، والحرب مع العدو، تُكتسب بالنقاط وليس بالضربة القاضية الفنيّة، كما يرد في قاموس الملاكمة والمصارعة، والكلام مأخوذ من خطابات قادة المقاومة.

وثمة رأي ثالث، نشأ في ضوء نتائج هذه المنازلة الدامية، وغير المسبوقة، يتساءل أصحابه، عمّا إذا كان "نأي الحزب بنفسه" عن الطوفان، كان ليكون قراراً أكثر حكمة من دخول حربٍ بلا استعداد كافٍ... رأي يقابله رأي آخر، بأن الحزب لو فعل، لكان خسر مصداقيته تماماً، والمقاومات تنشأ وتتصاعد وتتطور، على قواعد الموثوقية والمصداقية، وانسجام الأفعال مع الأقوال.
لا جدال، في أن الحزب، بيئة وقواعد وقيادة، قد جوبه بمثل هذه الأسئلة والتساؤلات مرات ومرات منذ الثامن من أكتوبر 2023، ولا شك، أن بعضها، إن لم نقل جميعها، قد انبعث من صفوف الحزب ودواخله، ولا شك أن الجدل بشأنها لم يضع أوزاره بعد، وأن "التقييم الرسمي" لقرار الإسناد، الذي ارتقى إلى مصاف "قرار الحرب"، وما تلاه من سلوك ومواقف وفعاليات، لم يصدر بعد، وأخشى أنه قد لا يصدر، في مناخات الاستقطاب والتشاحن، والتصيّد في المياه العكرة، وتحت ظلال الحسابات والحساسيات القائمة والمعروفة.

أن يطالب لبنانيون الحزب بالتخلي عن "الاستثناء" الذي حظي به بعد الطائف، بوصفه "مقاومة مشروعة"، لا "ميليشيا حرب أهلية"، وأن يُسلم سلاحه للدولة وجيشها، فهذا أمرٌ لا ينبغي أن يُقابل بعصبيةٍ أو اتهامية فائضة عن الحاجة، في ضوء معطيات اتفاق 27 تشرين الثاني، وفي ضوء مخرجات حرب التطهير والإبادة التي اتخذت من الجنوب والضاحية والبقاع، مسرحاً لها، هنا تنفتح "المطالبات" على مواقف ومرامٍ شتى، تختلف باختلاف من يُطْلقها، وهنا يتعين العمل بجدٍ واجتهاد على فرز غثّها عن سمينها، وهنا في جعبة الحزب، ذخائر قابلة للاستخدام في هذا الجدل، يجدر استعمالها على أحسن وجه.

مثلاً؛ ثمة من يدعو إلى"نزع السلاح"، وإن باللجوء إلى القوة الغاشمة، ومن ضمن هامش زمني ضيّق للغاية، على اعتبار أن ثمة فرصة تاريخية قد لاحت ولا يتعين تبديدها، وهي بالمناسبة "الفرصة التاريخية" ذاتها التي يتحدث عنها بنيامين نتنياهو، مشدداً دوماً على الحاجة إلى اغتنامها... هذا ليس خياراً للبنان، وأجزم بأنه ليس خياراً مناسباً للذين يطلقون هذه الدعوات، من دون تفكير أو تمحيص بمدى واقعيتها من جهة، وبنتائجها وانعكاساتها عليهم بالذات من جهة ثانية... اللجوء إلى "سلاح النقد" الذي تحدثنا في مشروعيته، لا يعني شرعنة "الانتقاد بالسلاح" ... ذلكم طريق خراب لبنان، وعودة الحرب الأهلية إلى مربعها الأول... تلكم هي "وصفة محلية" لاستكمال ما عجزت الحرب الإسرائيلية عن تحقيقه، ولكن بأيد لبنانية وعلى حساب اللبنانيين جميعاً... تلكم بالأحرى، وصفة إسرائيلية، مطعّمة أميركياً تصدر بلسان لبناني، غير مبين.

على أن "الغُلاة" ليسوا وحدهم على الساحة، فهناك أصوات راشدة ، تدعو إلى مزج عناصر القوة والاقتدار اللبنانية، من ضمن صيغة تعزز قدرات لبنان الدفاعية، ولا تتركه مكشوفاً أو نهباً للفاشية الإسرائيلية المنفلتة من كل عقاب... هناك، أفكار ومبادرات تعيد إنتاج ثلاثية "الشعب، الجيش والمقاومة" بأشكال وصيغ جديدة، من ضمن استراتيجية دفاعية متفق عليها، أو متوافق حولها، تضع لبنان على سكة الخروج من استعصاءات العزلة والعقوبات المعرقلة للتعافي وإعادة الإعمار، ومن دون أن تتركه عارياً أمام كيان طامع، لا يعرف خُلقاً ولا يعترف بقانون.

هنا، وفي هذا السياق، يتعين على الآخرين، من مجادلي حزب الله وخصومه، الإجابة عن الأسئلة التي يتحاشون طرحها أو الخوض فيها: من يحمي لبنان؟...من يضمن رحيل الاحتلال واحترام الحدود؟ ...من يكفل إعادة الإعمار؟ والأهم، من يوقف الاستباحة وحروب الاغتيالات والتصفيات والتعديات، التي تسعى "إسرائيل" في جعلها واقعاً معاشاً، يتطبّع اللبنانيون مع يومياته الدامية؟
الأهم من كل ما ذُكر، أن بعض الجهات التي تجأر بأعلى الأصوات، إنما وجدت في نتائج الحرب، ضالتها للعودة إلى ماضٍ ظنّ البعض أنه بات سحيقاً، هم يريدون اليوم، إعادة قراءة تاريخ لبنان المعاصر، من منظور اللحظة الراهنة، ويعملون على إعادة الاعتبار لأسماء ورموز وشعارات وتحالفات، ظلّت مرذولة، أو في أدنى تقدير "إشكالية"، حتى الأمس القريب... يقرأون التاريخ بأثر رجعي، ويحاولون فرض قراءاتهم على الجميع، بوصفها دلالة على "التعافي"، وبرهاناً على ثبوت واقعة الطلاق مع حقبة المقاومة.

والأخطر من كل ما ذُكر، أن بعض هذه الأصوات، لا تشكل في واقع الحال، سوى "رجع صدى" لإملاءاتٍ من عواصم عربية ودولية معروفة، تسعى في تسويغ وتسويق، "هندسات" إقليمية ودولية، قائمة على مفهوم "الهيمنة"، أميركا دولياً، و"إسرائيل" إقليمياً، على اعتبار أن هذه المنطقة قد لفظت آخر أنفاس المقاومة، وآن لها أن تدين بالولاء والطاعة لليمين، الفاشي في "الكرياة" والشعبوي في البيت الأبيض ... هؤلاء لا ينفع معهم "سلاح النقد"، ولا بديل لكبح جماح مشاريعهم السوداء، سوى "خلي السلاح صاحي".

من بين مختلف الأصوات التي تناولت "السلاح" في الآونة الأخيرة، يبدو صوت رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، أكثرها نضجاً وواقعية وإدراكاً لواقع الحال... الرجل لا يكف عن تناول المسألة من زاوية الحوار بعيداً من أضواء الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بعيداً من منطق القوة واستخدامها أو التلويح بها، وبعيداً من الضغوط القصوى والمهل الزمنية الضيّقة... والرجل يفضل للحوار أن يكون ثنائياً، بين الرئاسة الأولى والمقاومة، لكي لا يتحوّل الحوار إلى بازار للمزايدات والمناقصات، وحتى لا تصبح مائدته، منصّة لتوجيه الرسائل إلى "الرعاة في الخارج"... والرجل يفضل الحديث عن "حصرية السلاح" بيد الدولة، وينتقي مفرداته بعناية، ويجتهد للبحث عن "صيغة ما"، لا تستنسخ تجربة "الحشد الشعبي" كما هي عليه الآن في العراق، ولا تُبقي القديم على قدمه.

الجدل الدائر في لبنان حول السلاح، له ما يناظره في فلسطين، على الرغم من اختلاف الظروف والسياقات، وحيث المدافع المفتوحة على غزة، لم تصمت بعد... والأرجح أن جدلاً مماثلاً قد يندلع في كل من اليمن والعراق، إن لم يكن الآن، وفوراً، فغداً وبعد غدٍ على أبعد تقدير... ولهذا، يكتسب الجدل اللبناني، قيمة إقليمية، تدفع أطرافاً خارجية عدة، إلى مراقبته وتتبع فصوله والتعرف إلى نتائجه.

arabstoday

GMT 06:31 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

الاستثمار في الانقسام

GMT 06:25 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

نعيق لا مبرر له

GMT 06:22 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

شريان لا قناة

GMT 06:18 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (104).. يوسف صديق وجزاء سنمار

GMT 06:14 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

يقول كتاب السياحة

GMT 06:08 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

خان وقنبلة محفوظ فى «مالمو»

GMT 05:59 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

ترامب والصين

GMT 05:51 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

اصطدامُ بالواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والجدل الدائر ما بين نقد السلاح والانتقاد بالسلاح لبنان والجدل الدائر ما بين نقد السلاح والانتقاد بالسلاح



ميريام فارس تتألق بإطلالات ربيعية مبهجة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:28 2025 الثلاثاء ,29 إبريل / نيسان

بغير أن تُسيل دمًا

GMT 03:01 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

استشهاد 70 شخصًا فى قطاع غزة خلال 24 ساعة

GMT 02:43 2025 الثلاثاء ,29 إبريل / نيسان

الإنسانية ليست استنسابية

GMT 02:57 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

الطيران الأميركي يستهدف السجن الاحتياطي

GMT 01:04 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

قصف مبنى في ضاحية بيروت عقب تحذير إسرائيلي

GMT 02:45 2025 الثلاثاء ,29 إبريل / نيسان

عبد الناصر يدفن عبد الناصر

GMT 00:58 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

أوغندا تعلن السيطرة على تفشي وباء إيبولا

GMT 07:50 2025 الأحد ,27 إبريل / نيسان

ميريام فارس تتألق بإطلالات ربيعية مبهجة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab