بقلم : أسامة غريب
لا أحد يدرى ما يدور فى عقل بوتين فى هذه اللحظات بعد أن تلقى ضربة كبيرة مؤثرة تمثلت فى قيام الطيران الأوكرانى المسيّر بضرب قواعد جوية روسية فى سيبيريا على بعد ٤٣٠٠ كيلو من البر الأوكرانى. صحيح أنه لا توجد أخبار مؤكدة عن حجم الخسائر سوى البيانات الصادرة عن زيلينسكى وإعلامه، لكن مجرد النجاح فى تخبئة الطائرات داخل شاحنات ووضعها على مسافة قريبة من قواعد القاذفات الاستراتيجية لروسيا يعد إهانة للاستخبارات الروسية وتحديًا يفرض الاستجابة والرد. ومعلوم أن روسيا متخصصة عبر التاريخ فى دفع الأثمان الفادحة دفاعا عن أراضيها، لكن الكارثة الحالية تتمثل فى أن الخطوط الحمراء لروسيا لم تعد حمراء.. لقد تحولت إلى اللون القرمزى ثم اللون الوردى قبل أن تميل إلى البرتقالى فى طريقها لأن تكون خطوطا صفراء يسهل تجاوزها دون عواقب!. لقد كانت أوروبا فى بداية الحرب تخشى تزويد أوكرانيا بأسلحة يمكنها إصابة الأراضى الروسية خوفا من رد فعل موسكو، وكانت تكتفى بإمداد كييف بما تدافع به عن نفسها، لكن حلف الناتو أخذ يدحرج الأمور شيئًا فشيئا ويختبر عزيمة الروس من خلال دفعة دبابات ليوبارد ألمانية تعقبها صواريخ أتاماكس الأمريكية، وعندما وجدوا موسكو تكتفى ببيانات الشجب والإدانة على الطريقة العربية فإنهم تجرأوا أكثر وأمدوا أوكرانيا بدبابات أبرامز الأمريكية.. وأخيرا بعد أن أخذت المسيرات الأوكرانية تصل إلى موسكو وتحلّق فوق الكرملين دون أن تُقدِم روسيا على إجراءات مخيفة طالما هددت بها، فإن الأمريكان قفزوا قفزة هائلة وقدموا طائرات إف - ١٦ المتطورة إلى الجيش الأوكرانى، حيث يمكنها تهديد سماء روسيا.
عندما أعلنت روسيا فى سبتمبر ٢٠٢٢ ضم مقاطعات دونيتسك ولوجانسك وخيرسون وزاباروجيا إليها فإن ميدفيديف، الرئيس الروسى السابق، الذى كان دبلوماسيا هادئا أثناء فترة رئاسته ثم تحول الآن إلى صقر الصقور، هذا الرجل توعد أوكرانيا وحلف الناتو بأن العقيدة النووية الروسية صارت تنطبق على المقاطعات الجديدة، وأن أى اعتداء مسلح عليها قد يجعل الرد نوويا!. لكن الذى حدث هو أن الاعتداءات ضد هذه الأراضى ومعها القرم لم تتوقف يوما واحدا، ومع ذلك فإن الرد الروسى كان عاديا ولم يكن رادعا. ويبدو أن هذا الهجوم جاء ردا على تجاهل بوتين لرسائل الغزل الموجّهة إليه من ترامب، وهو ما أحفظ الرئيس الأمريكى وجعله يوافق على ضرب أقصى الشرق الروسى لأجل أن يثوب بوتين إلى رشده ويستجيب لنصائحه بإنهاء الحرب. اليوم يمكننا أن نقول إن حلف الناتو المختبئ خلف أوكرانيا قد داس على الخطوط الحمراء الروسية وتجاوزها وفعل ما لم يتصوره بوتين فى أسوأ كوابيسه، والمسألة تتعدى الإهانة المعنوية بكثير، لأنها تعنى أن الطيران الروسى القادر على حمل القنابل النووية قد يتم ضربه بسهولة حتى يفنى عن آخره فى أيام معدودة، والأمر فى هذا الصدد معقود على حلف الناتو وما إذا كان لديه خطط مماثلة مدمرة. إذا لم تقم روسيا برد عنيف جدا ومخالف لكل القواعد فسوف تضيع.