بقلم : أسامة غريب
يتساءل كثيرون: كيف خلت جنازة زياد رحبانى من الفنانين المصريين؟. فى اعتقادى أن هناك عدة أسباب لهذا الأمر، أولها أن كثيرًا من الفنانين لدينا لا يعرفون زياد كفنان متفرد، ولهذا يعتقدون مثل غيرهم من العوام أن كل ما أنتجته فيروز هو من أعمال الأخوين عاصى ومنصور، غافلين عن أن فيروز قد غنت بعض أجمل الألحان للملحن فيلمون وهبى ومنها: جايبلى سلام، وعلى جسر اللوزية، ويا مرسال المراسيل، وطيرى يا طيارة، وكتبنا وما كتبنا، وهى أغانى يظنها معظم الناس للأخوين رحبانى.
نفس الأمر اختلط فى الأذهان فيما يخص أعمال زياد التى كتبها ولحنها لفيروز، أما أعماله المسرحية التى لم تشارك فيها فيروز فلا يعرفها جمهورنا بمن فيهم الفنانون، وبالتالى فإن فرصتهم كانت محدودة فى التعرف على عبقرية زياد رحبانى. جانب آخر من الفنانين يعرفون زياد وقد استمعوا له وتعرفوا على أعماله لكنها لم ترقهم ولم تقع منهم موقع الإعجاب فلم يحبوه أو يتعلقوا به.
ولعل هذه المسافة بين الكثيرين من الفنانين العرب وبين زياد تعود إلى تمرده وتفرده وثوريته وجموحه وعدم خشيته من إبداء آراء صادمة للمجتمع العربى المحافظ ضيق الأفق، ونحن نعرف بطبيعة الحال أن فنانينا فى معظمهم يلتصقون بالسلطة ويتحركون معها ذهابًا وإيابًا، فإذا تبنّت الاشتراكية غنوا للاشتراكية ووصل بهم الأمر ليقدموا التحية للاتحاد الاشتراكى كما فعل عبدالحليم حافظ عندما قال: أحلف يمين بالله تعالى، أحلف بقوتنا الفعالة، الاتحاد الاشتراكى العربى نختاره مبدأ ورسالة. من أجل هذا فإن شخصًا ولا أقول فنانًا مثل زياد رحبانى لا بد أن يثير قلق فنانى الأنظمة الذين عاشوا واشتهروا وحققوا المال والنفوذ فى كنف السلطة، وحتى لو كان بعضهم يحمل لزياد إعجابًا ويعرف قدره وقيمته فإنه فضّل الاحتفاظ بهذا الإعجاب داخله ولم يخرجه للعلن خشية أن يُغضب أحدًا من هنا أو هناك بدون قصد، وهذا يشبه ما نعرفه جميعًا فى حياتنا من أن الموظف الذى يبوء بغضب المدير ينصرف عنه زملاؤه ولا يردوا عليه تحية الصباح خشية أن يعرف ولى النعم فيستاء ويغضب!.
أما السبب الثالث لعدم ذهاب أحد لحضور جنازة هذا الفنان العظيم هو أن السفر لبيروت يحتاج إلى تذكرة طائرة وهذه بفلوس، كما يحتاج إلى حجز فندق وهذا أيضًا بفلوس، أى أن رحلة كهذه ستكون مكلفة وليس بها تعريق ولا توريق أو ترويق، وليس بها أحد نلقى فى حضرته القصائد والمدائح والمعلقات والمشعلقات فيدخل السرور إلى قلبه وينفحنا النفحات المباركة التى نعود بها قريرى الأعين منشرحى الصدور. ولو قُدر لزياد رحبانى أن يختار من يحضرون جنازته لطلب ألا يحضر أحد، ويكفيه محبة الشباب العربى الذين فهموه وأحبوه وتعلقوا به وعرفوا قدره فأنزلوه منازل العظماء ووضعوه فوق ربوة عالية يجلس بها سيد درويش وزكريا أحمد ومحمد عبدالوهاب ورياض السنباطى ومنصور وعاصى الرحبانى.