داعش هي الإسلام أو فلينطق الفقهاء

داعش هي الإسلام... أو فلينطق الفقهاء

داعش هي الإسلام... أو فلينطق الفقهاء

 العرب اليوم -

داعش هي الإسلام أو فلينطق الفقهاء

علي الأمين

في وجه من وجوهه يمثّل تنظيم داعش مأزقاً عميقا لدى المسلمين، وتحديدا المؤسسات الفقهية الاسلامية، سواء كانت سنيّة او شيعية. فسلوكيات هذا التنظيم، في تطبيق الحدود والاحكام باسم الشريعة، سبياً وحرقاً ورمياً من علوّ شاهق وقطع أيادي، فضحت مأزق المؤسسات الفقهية الدينية التي ذهبت إلى استنكار هذه الأحكام. ليس من منطلق رفضها بطبيعتها، بل من منطلق عدم أهلية هذا التنظيم في تنفيذ هذه الأحكام.

ذلك أنّ تنظيم داعش لم يقم بتنفيذ أيّ حكم من أحكامه، من تلك التي رآها العالم تجاه الأسرى أو المختلفين دينياً أو مرتكبي أعمال جرمية، إلا وكان مستنداً إلى نصّ ديني. سواء كان من القرآن نفسه أو من السنّة النبوية. وهذه الأحكام موجودة في بطون الكتب الفقهية لدى السنّة والشيعة. بهذا المعنى البسيط يقول "داعش" للمسلمين والعالم إنّه يطبّق أحكام الشريعة بحرفية النصّ، واستنادا إلى نصوص وأحكام تقرّ بها معظم المؤسسات الفقهية الإسلامية.

وإن كان هذا الوجه من وجوه الظاهرة الداعشية يطرح نفسه اليوم بقوّة، انطلاقا من الأفعال التي قام بها هذا التنظيم في تنفيذ الأحكام باسم الاسلام، فذلك يجب ألا يغيّب جانباً سياسياً واجتماعياً كان سبباً من أسباب نشوء هذه الظاهرة، تمثّل في تجربتي حكم حزبي البعث في كلّ من العراق وسورية، إضافة إلى سلطات الاستبداد على العموم. تلك التي فعلت فعلها في البنى الاجتماعية والسياسية داخل البلدين، من دون أن تشكّل تجربة حكم ما بعد البعث في العراق، ومرحلة الاحتلال الأميركي قبلها، نموذجاً قادراً على ترميم هذه البنى. بل قدّمت مرحلتا الاحتلال الأميركي والسلطة التي تلته ما اعتبره العراقيون نموذجاً سيّئاً من نماذج الحكم والسلطة. نموذج زاد في تصديع الوحدة الوطنية، وأثمر دولة الفساد، بحسب ما يؤكّده معظم العراقيين، حتّى لا نتحدّث عن التقارير الدولية على هذا الصعيد.

تنظيم داعش وفقهاؤه يفكّرون بعقل النصّ وظاهره، لا بعقل الاجتهاد. فيطبّقون حرفية النصّ، بحيث يبدو أنّ هذا التنظيم يبحث عن مسوّغ لأفعاله ولا يفكر بعقلية اجتهادية، ولا يأبه بما يسبّبه سلوكه من أضرار على الدين والناس. ولعلّ هذا ما يطرح أسئلة بدت المؤسسة الفقهية الاسلامية تميل الى تأجيلها وتحييدها. فهذه المؤسسة، على اختلاف مذاهبها، ظهرت متخلّفة عن التصدّي لإعادة بناء فكرة الأحكام السلطانية اليوم وفق المعطيات الحديثة... حتّى على مستوى فهم النص وقراءته أو تأويله، فيما يتّصل بالحدود والاحكام.

فهل ما قاله النبي وطبّقه في زمانه يجب تطبيقه بحرفيته، بمعنى قطع يد السارق مثلا؟ وهو نصّ واضح في حرفيته. ونموذج داعش، في هذا المعنى، هو نتيجة وليس سبباً. نتيجة الفراغ بين ما يقتضيه العصر الراهن وبين عجز المؤسسة الفقهية عن تجاوز المنظومات الفقهية التقليدية. وهذا ما فتح الباب أمام داعش كي يتحرّك في هذا الهامش الواسع فيحرج الجميع.

التاريخ الإسلامي شهد محاولات على صعيد التعامل مع الأحكام والحدود. فبعض الفقهاء يقول إنّ الحدود والأحكام تدور مدار المصلحة والمفسدة. ما أدّى إلى توقيف بعض الأحكام والحدود عندما كان تنفيذها يضرّ بالمصلحة العامة. على سبيل المثال في أزمنة ماضية انتشر الفقر والمجاعة فأوقفت أحكام قطع يد السارق. لكن في معزل عن هذه الشواهد التاريخية، يبقى السؤال: هل هذه الحدود والأحكام التي طبّقها الرسول في زمانه، هي أحكام لكلّ الأزمنة؟

في كل الاحوال، علم تنظيم داعش أو لم يعِ، يقول لنا كمسلمين: هذه أحكام دينكم وهذا فقهكم أرميه في وجوهكم ووجوه العالم.. فماذا أنتم فاعلون؟

هي أزمة التراث الديني الفقهي والسياسي التي نعرفها. لكن نكتشف كم هي جريمة كبيرة ارتكبت بحقّ صوت الإصلاح والاجتهاد والتجديد، الذي لطالما كان في تاريخنا الاسلامي الحديث صوتاً مقموعاً، ولطالما كانت المؤسسات الفقهية تشكّل أحد أهمّ حصون حماية هذا التراث الذي تحوّل إلى نصّ مقدّس رغم كونه نصّاً بشرياً لا يكتسب أيّ قداسة كقداسة النصّ القرآني أو الأحاديث النبوية، على اعتباره إنجازاً بشرياً لفقهاء اجتهدوا وأنتجوا ما يتوافق مع زمانهم.

فما يقوله داعش اليوم هو أنّ الإسلام التاريخي لم يستطع أن يستوعب مفهوم الدولة الحديثة، ومرحلة ما بعد الخلافة أو الانتقال من مفهوم الشورى إلى فكرة الديمقراطية، على اعتبار أنّ مفهوم الشورى مفهوم قبلي كان الأفضل في زمن الدعوة.

الحديث عن الأحكام والحدود في ظلّ سطوة الأحكام الداعشية كشف كم ان باب الاجتهاد في مسيرة الاسلام شبه مغلق، إن لم يكن مغلقاً تماماً. فلا اختلاف بين المؤسسة الفقهية في المجال السني وفي المجال الشيعي، حيث السلطات السياسية هي الأقدر على تطويع المؤسسة الدينية واستثمارها لتعزيز سلطتها، باسم وجوب طاعة الحاكم أو باسم ولاية الفقيه الذي يحكم باسم الله... وفي كلا الحالين نشهد تناقضاً جوهرياً مع مفهوم السلطة في الدولة الحديثة، الذي ينطلق من الشعب. أما في المفهوم الاسلامي المعتمد فهو يأتي من الله ومن ممثّله على الأرض، نزولاً إلى الناس.

arabstoday

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:37 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

داعش هي الإسلام أو فلينطق الفقهاء داعش هي الإسلام أو فلينطق الفقهاء



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
 العرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 10:58 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مرقص حنا باشا!

GMT 10:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

سجن إلهام الفضالة بسبب تسجيل صوتي

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير هاري يبعث رسالة خاصة لأبناء بلده من كاليفورنيا

GMT 04:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير إسرائيلي يدعو لمناقشة تعاظم قوة الجيش المصري

GMT 22:11 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 05:00 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تعلن تسلمها رفات رهينة ونقله إلى معهد الطب الشرعي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab