حزب الله لعب أدوارا كثيرة خارج حدود لبنان. كان جزءا من إستراتيجيّة إيرانية نفذها هيثم علي طبطبائي وآخرون غيره أكان ذلك في سوريا أو العراق أو لبنان نفسه… أو اليمن.
ليس صدفة التركيز الإسرائيلي على هيثم علي طبطبائي القائد العسكري لـ”حزب الله” الذي اغتيل أخيرا في بيروت. لم يكن الرجل قائدا عاديا بأي مقياس من المقاييس. كان في الواقع تعبيرا عن إصرار إيراني على تولي عملية إعادة تأهيل “حزب الله” بشكل مباشر. نقل طبطبائي من اليمن إلى لبنان لتولي أمر “حزب الله” في مرحلة ما بعد قضاء إسرائيل على معظم قياداته.
يرمز الرجل، الذي يعتبر إيرانيا – لبنانيّا إلى أمرين. الأمر الأوّل عمق التورط الإيراني في اليمن والأمر آخر القرار الإيراني بالإشراف المباشر على إعادة الحياة إلى “حزب الله” ذي الوظائف المتعددة. إنّها وظائف تندرج في سياق إستراتيجية شاملة لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”. تقوم هذه الإستراتيجية على وجود أدوات لـ”الحرس الثوري” في كلّ انحاء المنطقة، أدوات تغني عن خوض إيران أي حروب مع أخصامها. تنوب تلك الأدوات عن إيران في حروبها، في حين تعمل “الجمهوريّة الإسلاميّة” من أجل عقد صفقات مع الولايات المتحدة، وهي صفقات باتت مستحيلة مع وجود إدارة مثل إدارة ترامب تربطها علاقات من نوع خاص مع إسرائيل.
تتعاطى إيران مع وضع جديد في المنطقة معتمدة أساليب قديمة يبدو أنّها لا تعرف غيرها. يعطي الكلام الأخير الذي صدر عن نعيم قاسم الأمين العام لـ”حزب الله” فكرة عن الدور الذي لعبته إيران، الذي لا تزال مصرّة عليه، من خلال الحزب ومن خلال أشخاص مثل هيثم علي طبطائي خارج الحدود اللبنانية وخارج المواجهة مع إسرائيل… هذا إذا كان يمكن الحديث عن مواجهة، بمقدار ما يمكن الحديث عن “قواعد اشتباك” متفق عليها. لم تعد “قواعد الاشتباك” هذه قائمة منذ هجوم “طوفان الأقصى” الذي شنّته “حماس” في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر 2023.
لم تكن نهاية هيثم علي طبطائي الإيراني – اللبناني بالطريقة التي انتهى بها مجرّد نهاية عادية. مثلت النهاية تلك سقوطا لمشروع إيراني تبيّن أنّه غير قابل للحياة
اعترف خليفة حسن نصرالله بأنّ طبطبائي، الذي اغتالته إسرائيل في بيروت، كان في اليمن بين 2015 و2024. كذلك، قاتل أيضا في سوريا دفاعا عن النظام الأقلّوي الذي ورثه بشّار الأسد عن والده. سقط النظام العلوي قبل سنة. لم ينفع التورط المباشر للحزب في الحرب على الشعب السوري سوى في خلق حال من العداء بين أكثرية السوريين وفئة لبنانيّة وضعت نفسها في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني، السعيد الذكر.
كانت المرّة الأولى التي يلمّح فيها الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح إلى الدور الإيراني في دعم الحوثيين صيف العام 2004. كان ذلك في حديث أجريته معه ونشر في وسائل إعلام عربيّة عدة. كان بينها صحيفة “المستقبل” اللبنانيّة التي توقفت لاحقا عن الصدور. تطرّق الرئيس اليمني الراحل الذي اغتاله الحوثيون في مثل هذه الأيّام قبل ثماني سنوات إلى العلاقة بين “حزب الله” والحوثيين أيضا، وهي علاقة يبدو أنّها كانت قديمة. بعد أسابيع قليلة من الحديث، في خريف 2004، بدأت الحرب الأولى، من أصل ست حروب بين الحوثيين والجيش اليمني. استمرت تلك الحروب حتّى 2010، أي إلى ما قبل شهور من الانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون على نظام علي عبدالله صالح في شباط – فبراير 2011، مستغلين “الربيع العربي” ومجرياته على الصعيد الإقليمي.
ما يهمّ في التاريخين اللذين وردا على لسان نعيم قاسم، بالنسبة إلى سنوات خدمة طبطبائي في اليمن، أن المسؤول العسكري الكبير في الحزب بدأ نشاطه الواسع في اليمن في 2015، أي في مرحلة ما بعد وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في 21أيلول – سبتمبر 2014. هذا لا يعني أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” كانت بعيدة عن اليمن قبل ذلك التاريخ، بمقدار ما يعني أنّها كانت في حاجة إلى التركيز أكثر على تمكين الحوثيين من الإمساك بصنعاء. كذلك، لا يعني ذلك أنّ طبطائي كان، مع آخرين، غير معني باليمن قبل 2015.
لم تكن نهاية هيثم علي طبطائي الإيراني – اللبناني، بالطريقة التي انتهى بها مجرّد نهاية عادية. مثلت النهاية تلك سقوطا لمشروع إيراني تبيّن أنّه غير قابل للحياة
من هذا المنطلق، تظهر ضرورة جعل شخص بثقل هيثم طبطبائي شبه متفرغ لليمن في ضوء التطورات التي شهدها ذلك البلد مع النجاح الحوثي في السيطرة على صنعاء. الأهمّ من ذلك كلّه ينكشف الدور الإيراني، مباشرة أو عبر “حزب الله”، في حرق المراحل وصولا إلى اليوم الذي لم يعد فيه أي طرف في صنعاء يستطيع ان يكون له وزن ما في عمليّة اتخاذ القرار السياسي اليمني، أقلّه في الشمال.
ليس حدثا عاديا إذا أن يكون طبطائي في صنعاء في الفترة التي سبقت احتدام الخلاف بين علي عبدالله صالح والحوثيين ابتداء من شهر آب – أغسطس من العام 2017، وهي فترة توجت بإعلان الرئيس الراحل رفضه للهيمنة الحوثية في 2 كانون الأوّل – ديسمبر2017. لم تمض أيام إلّا واغتال الحوثيون الرجل الذي كان يمتلك حسابات خاصة به لم تعد تتفق مع “الشراكة” المتفق عليها بينه وبين عبد الملك الحوثي.
لعب “حزب الله” أدوارا كثيرة خارج حدود لبنان. كان جزءا من إستراتيجيّة إيرانية نفذها هيثم علي طبطبائي وآخرون غيره، أكان ذلك في سوريا أو العراق أو لبنان نفسه… أو اليمن. كانت لليمن أهمّية خاصة نظرا إلى أنّه، جغرافيا، جزء لا يتجزّأ من شبه الجزيرة العربيّة. كان تحويله إلى قاعدة صواريخ إيرانية في شبه الجزيرة تلك تأكيدا للدور الإيراني في ابتزاز دول مجلس التعاون الخليجي الواحدة تلو الأخرى.
لم تكن نهاية هيثم علي طبطائي الإيراني – اللبناني، بالطريقة التي انتهى بها مجرّد نهاية عادية. مثلت النهاية تلك سقوطا لمشروع إيراني تبيّن أنّه غير قابل للحياة. كان اليمن، وقبله لبنان، في قلب هذا المشروع الذي بات مصيره على المحكّ في ضوء الحدث السوري الذي أعاد سوريا إلى السوريين في انتظار اليوم الذي يعود فيه الجزء اليمني المحتل من إيران… إلى اليمنيين!
لا شيء يحدث بالصدفة في منطقة ليس مسموحا أن تسيطر عليها إيران لا مباشرة ولا عبر أدواتها.