لا يمكن الاستخفاف بخطورة الأحداث التي يشهدها المغرب حيث جرت، وما تزال تجري تظاهرات شبابيّة، تُستخدم فيها وسائل التواصل الاجتماعي أفضل استخدام من أجل التعبئة وحشد المشاركين في التحرّك، الذي يشارك فيه الآلاف في مدن مختلفة. المخيف في الأحداث وجود مجموعة، استغلّت الفرصة المتاحة من أجل القيام بأعمال تخريب ونهب للممتلكات العامّة والخاصذة بما يتعارض كلّيّاً مع مطالب مشروعة لحراك شعبي أراد التنبيه إلى فجوة قائمة في المملكة.
يتميّز التحرّك باتّساعه، من وجدة القريبة من الحدود الجزائريّة، إلى مراكش، مروراً بطنجة والرباط والدار البيضاء وأغادير ومدن قريبة منها. لكنّ الواضح، إلى الآن، أن لا أفق سياسيّاً لهذا التحرّك الذي يحتجّ المشاركون فيه على التقصير الحكومي، خصوصاً في مجالَي الصحّة والتعليم.
يركّز المشاركون في التحرّك الذين يسمّون أنفسهم “جيل Z 212” (212 هو الرمز الهاتفيّ الدوليّ للمغرب) على نقطتين أساسيّتَين. تعبّر النقطتان، وهما المجالان الصحّي والتربويّ، عن فشل كبير لحكومة عزيز أخنوش، التي تشكّلت بعد الانتخابات الأخيرة قبل ثلاث سنوات، في معالجة ملفّات معيّنة.
يتميّز التحرّك باتّساعه، من وجدة القريبة من الحدود الجزائريّة، إلى مراكش، مروراً بطنجة والرباط والدار البيضاء وأغادير ومدن قريبة منها
تقصير في مجالَي الصّحّة والتّعليم
وعدت حكومة أخنوش بأن يكون أداؤها أفضل من الحكومتين اللتين شكّلهما في الماضي زعيما حزب العدالة الإسلامي عبد الإله ابن كيران وسعد الدين عثماني. لم تستطِع الحكومة القائمة التي يفتقر رئيسها، وهو من كبار الأغنياء، إلى القدرة على التواصل مع المواطن العاديّ. لم يستطِع أخنوش تقديم تفسير منطقيّ للتقصير في مجالَي الصحّة والتعليم.
يحدث ذلك في وقت يجد فيه المواطن الفقير صعوبة في فهم سبب تدنّي مستوى التعليم في المدارس الرسميّة، ويشكو من هذا العدد الكبير من التلامذة في الصفّ الواحد. أمّا في المجال الصحّي، فتوجد شكوى من سوء مستوى الخدمات في المستشفيات الحكومية، كما حصل في أغادير حديثاً، من جهة، ومن صعوبة الحصول على موعد سريع لدى الطبيب المختصّ، من جهة أخرى.
في الواقع، هناك استياء على المستوى الشعبي من ارتفاع الأقساط في المدارس الخاصّة التي زاد عددها في السنوات القليلة الماضية. كذلك، زاد عدد العيادات الخاصّة حيث في استطاعة المريض الحصول على موعد مع الطبيب متى توافرت لديه الإمكانات المادّية.
أثار استياءً شعبيّاً عارماً الاهتمامُ الذي توليه الوزارات لإقامة بنية تحتية متطوّرة ومنشآت رياضيّة حديثة فيما هناك إهمال للصحّة والتعليم. فشلت الحكومة في إيجاد توازن بين الإعداد لكأس العالم لكرة القدم في 2030، وقبل ذلك لمباريات كأس إفريقيا التي سيستضيفها المغرب قريباً، وبين ما له علاقة بصحّة المواطن ومستقبل التعليم الذي ركّز الملك محمّد السادس في خطابات حديثة له على مدى أهمّيّته.
تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى معالجة الهوّة القائمة بين بناء البنية التحتيّة التي تشمل الربط بين مدن المغرب بشبكة القطارات السريعة من جهة، وبين رفع مستوى المدرسة الرسميّة والمستشفى الحكومي من جهة أخرى. مثل هذه الحاجة بات ضرورة مغربيّة من أجل الحؤول دون تطوّر الأحداث التي يشهدها الشارع إلى ما لا تُحمد عقباه.
الأحداث التي تدور في المدن المغربيّة خطِرة، لكنّه لا بدّ أيضاً من تفادي المبالغة في تضخيم هذه الأحداث، خلافاً لما يتمنّاه أعداء المغرب
تضخيم الأحداث
نعم، الأحداث التي تدور في المدن المغربيّة خطِرة، لكنّه لا بدّ أيضاً من تفادي المبالغة في تضخيم هذه الأحداث، خلافاً لما يتمنّاه أعداء المغرب. لا يمكن للمغرب تجاهل أنّ ثمّة ثمناً لنجاحه في تحقيق خطوات كبيرة إلى الأمام في كلّ المجالات سياسيّاً واقتصادياً واجتماعياً، فضلاً عن تحوّله إلى جسر بين أوروبا وإفريقيا. لكنّ هذه الخطوات تظلّ غير كافية في ظلّ التقاعس الحكومي في مجالات عدّة بينها التعليم والصحّة، وارتفاع مستوى البطالة بين الشباب. هذا يفرض محاسبة وزيرَي الصحّة والتربية أمين التهراوي ومحمد سعد برادة على تقصيرهما. قد يصل الأمر إلى طرح مستقبل حكومة عزيز أخنوش كلّها.
يبقى الأهمّ من ذلك كلّه الاعتراف بأنّ هناك أسباباً حقيقية ومشروعة للتحرّك الشبابي في المغرب، لكنّ هناك في الوقت ذاته من يعمل على تضخيم الحدث ودفع المشاركين في التحرّك إلى افتعال أعمال عنف عن طريق مهاجمة قوّات الأمن ومراكز تابعة للشرطة.
بكلام أوضح هناك متربّصون بالمغرب، بمن في ذلك النظام الجزائريّ ووسائل إعلام فرنسيّة. ليس سرّاً أنّ صحيفة “لو موند” الفرنسية نشرت أخيراً ستّة مقالات تتضمّن افتراءات على المغرب منطلقةً من أحداث معيّنة ومن شائعات ليس هناك ما يثبت صحّتها. هؤلاء المتربّصون يستغلّون أيّ ثغرة في الداخل، بما في ذلك عجز الحكومة القائمة عن التواصل مع المواطن العاديّ، من أجل شرح أنّ مشاريع البنية التحتيّة والتحضير لكأس إفريقيا ولكأس العالم لا يتعارضان مع مكافحة البطالة ولا يمكن أن يكونا سبباً لتجاهل الصحّة والتربية بأيّ شكل.