بالعودة إلى «الأقليات» في سورية والمشرق

... بالعودة إلى «الأقليات» في سورية والمشرق

... بالعودة إلى «الأقليات» في سورية والمشرق

 العرب اليوم -

 بالعودة إلى «الأقليات» في سورية والمشرق

حازم صاغية

كلما ذُكر تعبير «أقليات» في أجوائنا المحتقنة والمشحونة بالحقد والغضب، علا صوتان متباعدان:

واحد مُتخم بالذات، صاحبه لا يشاهد في العنف الذي يحيطنا إلا مشكلة تعاني منها الأقليات، وأحياناً «مؤامرة» عليها. ومَن لا يرى معاناة الأكثرية في سورية إنما يتاخم، بذريعة العلمانية والحداثية، الوعي العنصري، إن لم يتموضع في صلبه.

وآخر يستسهل الإنكار، فلا يرى مشكلة أقليات أصلاً، لا رآها قبل المأساة السورية ولا رآها بعدها. وصاحب الصوت هذا استبدادي ومتعصب يتمسك بـ «ديموقراطية» هي مجرد تغليب للعدد الديني أو الطائفي، أي مجرد استراتيجية إخضاع للأقليات.

لنقل، بادئ بدء، إن مشكلة الأقليات جزء تكويني من عالمنا ما بعد العثماني، ومن تشوهٍ في ثقافتنا عززه اصطدامها بالحداثة. أكثر من هذا، فالمشكلة من الضخامة بحيث جرت إلى أرضها استراتيجيات وتدخلات دولية، أو شكلت الحجة والغطاء الكافيين لمثل تلك التدخلات. ولنقل أيضاً إن الديموقراطية لا تعني حكم الأكثرية إلا بقدر ما تعني ضمانات للأقليات وتمثيلاً لحساسياتها. أما النزف الهائل الذي عرفته الأقليات في المشرق العربي، منذ بدايات القرن العشرين، فشهادةٌ لا تُدحض على عمق المشكلة إياها، وعلى صدورها عن تصدع أصاب دواخلنا الحميمة ويصيبها.

إلا أن هذا يبقى، في التجربة التاريخية لمنطقتنا، نصف الحقيقة.

فالنصف الثاني أن مفهوم «الأقلية» عندنا أوسع منه في التجربة الأوروبية التي عرفتنا أصلاً على مشكلة الأقليات. ففي أوروبا، كانت الأقلية الدينية والإثنية أقلية سياسية أيضاً، بمعنى بقائها خارج الحياة والتمثيل السياسيين أو على هامشهما. ولا تعلن معاناةٌ كمعاناة اليهود الأوروبيين إلا هذه الحقيقة بأبشع صورها وأشدها وحشية. أما في بلداننا، فلا يقتصر مفهوم «الأقلية» على دلالة دينية أو طائفية أو إثنية، فهناك أيضاً أقليات سياسية ينشأ تعريفها عن موقعها من السلطة والتمكن حتى لو كانت أكثريات عددية.

في هذا المعنى، كان شيعة العراق، ولا يزالون، أكثرية في العدد، إلا أنهم، منذ نشأة العراق الحديث، وخصوصاً في عهد صدام حسين، حتى 2003، عاشوا بوصفهم أقلية سياسية. والشيء نفسه يقال في سُنة سورية، وهم أيضاً أكثرية عددية، غير أن إزاحتهم إلى الهامش السياسي ابتدأت في 1963 لتتعاظم مع تفرد حافظ الأسد بالسلطة في 1970 وتنتهي بهم أقليةً سياسية.

ومفهوم الأقلية السياسية هذا إنما يصدر عن تاريخ محدد لم تعرفه أوروبا، يبدأ بالاستنكاف الأكثري عن السياسة مع انهيار السلطنة العثمانية ووفادة الانتدابين الفرنسي والبريطاني، ثم صعود الجيوش التي كانت قاطرة الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية إلى السلطة، وأخيراً قيام أنظمة للعسف والطغيان حيال «الشعب»، وهو تعريفاً ما يصيب بالأساس أكثريات الشعب العددية.

والحال أن هذا المفهوم عن الأقلية السياسية إنما يعكس على نحو أدق ذاك التمزق الهائل في نسيجنا المجتمعي والوطني، حيث أننا جميعاً «شعوب» مكونة من أقليات تتساكن على قلق وريبة، فيما تتعدد مصادر أقليتها وأسباب خوفها. وهذا ما لا يفضي إلى استبعاد مفهوم «الأقلية» واعتباره لزوم ما لا يلزم، بل يقود، في المقابل، إلى توسيعه وإلى وعي دوره القاهر في الإلحاح على الديموقراطية والعلمنة، معاً وفي آن واحد.

أما حلف الأقليات في وجه أقلية بعينها، فأقل ما يقال فيه إنه خيانة لفكرة الأقلية ذاتها ولضعفها في مواجهة أعداء قاتلين يُطلَب التماهي مع جبروتهم ومع قدرتهم على ممارسة القتل.

arabstoday

GMT 06:27 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 06:25 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 06:22 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«أوبك» تستشرف مستقبل النفط حتى عام 2050

GMT 06:20 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

GMT 06:18 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

إسرائيل والغضب العالمي

GMT 06:16 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

المسكّنات وحدها لا تكفي

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

تسليعُ المهاجرين

GMT 06:11 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

إسرائيل وسؤال هُوية اليهود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 بالعودة إلى «الأقليات» في سورية والمشرق  بالعودة إلى «الأقليات» في سورية والمشرق



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:44 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة
 العرب اليوم - فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة

GMT 01:17 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

روبيو يحدد "الحل البسيط" لإنهاء الحرب في غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab