بقلم : عبد اللطيف المناوي
يسرا.. سيفا، اسمها الحقيقى وكما أحب أن أناديها، ليست فقط واحدة من أيقونات الفن المصرى، بل إنسانة تشبه الضوء حين يمرّ فى حياتك، لا يفرض حضوره، لكنه يترك أثره. لم أكن قريبًا من الوسط الفنى، وذلك لأن عملى واهتماماتى لم تتح لى ذلك، لكنى أدعى أننى متابع جيد وأحد أفراد الجمهور المهتم. لم يكن لى علاقات كثيرة، لكن يسرا كانت استثناءً. منذ لقائنا الأول كانت كما هى اليوم، بشوشة، صادقة، شديدة الاتساق مع نفسها، لا تلبس أقنعة ولا يعرف العداء طريق إلى قلبها.
وربما لهذا السبب، حين أراها تُكرَّم فى السفارة الفرنسية بالقاهرة، للأسف لم أتمكن من المشاركة، بحضور السفير الفرنسى إيريك شوفالييه، أشعر أن التكريم يتجاوز «الفن» ليصل إلى جوهر «الإنسان».. فأن تُمنح وسام «فارس جوقة الشرف» ليس فقط لأنها ممثلة كبيرة، بل لأنها مثقفة تحمل صورة بلدها بكرامة وأناقة أينما ذهبت.
يسرا لم تكن يومًا مجرد وجه على الشاشة. هى ابنة جيلٍ صنع الوعى الجمعى للمصريين والعرب، جيلٌ مزج بين الفن والثقافة، بين الحضور الفنى والموقف العام. كانت دومًا صوتًا للعقل والتوازن فى زمن تعالت فيه الأصوات. تتحدث عن الفن كما يتحدث المثقف عن مشروعه، وعن الوطن كما يتحدث المواطن المحب الذى يعرف قيمة بلده حتى حين يختلف معها. هى دائمًا صورة ناعمة لمصر القوية، المرأة الأنيقة، المثقفة، صاحبة الموقف.
فى جلساتها الخاصة، يسرا منصتة أكثر مما تتحدث، وفى أحاديثها العامة صريحة دون صدام، راقية دون تصنُّع. تميل إلى الضحك بسهولة، وتُشعرك أن الحياة مهما كانت صعبة تستحق أن تُعاش ببهجة. فى عينيها دفء نادر، لا ينتمى فقط إلى نجمة تبتسم للكاميرا، بل إلى إنسانة تتعامل مع الناس كما هم، دون حواجز أو تكلّف.
يسرا هى الصديقة الحاضرة دائمًا. كثيرون ممن عملوا معها يذكرون أنها أول من تصل فى موقع التصوير وآخر من يغادره، وأنها لا تتعامل مع طاقم العمل كنجمة، بل كزميلة.
فى السنوات الأخيرة، حين سُئلت عن علاقتها بالزمن، أجابت ببساطة «لم أغير شكلى لأن الله أعطانى نعمة، وأنا راضية بها». عبارة تبدو بسيطة، لكنها تحمل خلاصة فلسفة حياتها، الرضا، القبول، والتصالح مع الذات. يسرا لا تحارب الزمن، بل تمشى معه بخفة من يعرف أنه لا ينتصر إلا بالصدق، لا بالإنكار.
فى كل ظهور لها تذكّرنا أن الشهرة لا تساوى شيئاً ما لم يكن القلب إنسانياً. وأن الفن لا يصنع الخلود، بل الموقف، والابتسامة، والقدرة على أن تكون نفسك فى عالمٍ يمجد الزيف.
لهذا أقول بثقة، يسرا حفرت وجودها فى ذاكرة السينما، الأهم أنها حفرتها فى ذاكرة كل من عرفها. فى زمنٍ يزول فيه البريق سريعاً، تبقى «سيفا» ضوءا حقيقيا، لا يبهرك فحسب، بل يدفئك.