بقلم : عبد اللطيف المناوي
مازلنا نعيش زهو افتتاح المتحف المصرى الكبير، ومازلت أؤمن بأن الحدث يجب تحويله من مجرد حدث تاريخى عظيم إلى استراتيجية متكاملة لقطاع السياحى. تحدثت بالأمس عن بعض المعوقات التى تصيب القطاع، والتى يجب تلافيها وإزالتها، وفى هذا المقام أتحدث عن أفكار أتمنى أن تأخذ طريقها نحو التحقق، لو أردنا أن نستغل هذا الزخم العالمى.
أول الأفكار هى إنشاء «منصة رقمية موحّدة» للتأشيرات وتحويل الإجراءات التى تستغرق أياماً إلى ساعات، وربطها بخدمة (السائح الذكى)، وتتضمن التصرف داخل البلد بدون متاعب، بمعنى أن يستطيع السائح أن يذهب إلى حيثما شاء وقتما شاء وبالطريقة المناسبة عبر هذه المنصة.
أما ثانى الأفكار فهو تشكيل «مجلس سياحة وطنى» يرأسه رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، يضمّ القطاع الخاص، المستثمرين، الجهات الحكومية المعنية، ويتابع تنفيذ أهداف مثل الوصول إلى ٣٠ مليون سائح، مع جدول زمنى ومعايير أداء واضحة. فضلا عن استثمار المتحف كمركز جذب، وفيها مثلاً نقوم بفكرة ربط (زيارة المتحف) بحزم سياحية تمتد لعدة أيام، مع تخفيض أسعار الحزم لجذب الأسواق الناشئة، كذلك من الضرورى رفع معايير السلامة والخدمات، واعتماد شهادات جودة دولية للفنادق والمنتجعات، إضافة إلى حملات تثقيف للمجتمع المحلى حول ضيافة السياح، وضمان سرعة التعامل مع الحوادث أو الشكاوى.
من بين الأفكار أيضاً تنويع الأسواق المصدرة للسياحة، وعدم الاقتصار على أوروبا أو روسيا فقط، بل التوجه نحو أسواق أخرى مثل آسيا (الصين، الهند مثلاً)، أو أمريكا اللاتينية، من خلال تأشيرات ميسّرة وإعلانات تسويقية مخصّصة، وتثبيت قاعدة للسياحة المستدامة والمجتمعية، وتشجيع السياحة الريفية، الحرف المحلية، تجارب المغامرة، ما يعزز القيمة المضافة ويطيل مدة إقامة السائح، ما يعنى إيرادات أكبر لكل زائر.
لابد كذلك من استخدام الذكاء الاصطناعى فى هذه الأفكار، مثلاً أرى أن إطلاق بوابة تحليلية لبيانات الزوار من حيث عدد الليالى، الإنفاق، تقييم المنتجعات، وانطباعات السائح، ضرورية لتوجيه الاستثمار وتحديد الوجهات الواعدة، وأخيراً تعزيز ربط المطارات والفنادق ووجهات السياحة التاريخية بطاقات استيعابية أعلى.
إن افتتاح المتحف الكبير هو لحظة رمزية ومركزية بكل تأكيد، ولكن لابد أن تعلن مصر أن تلك اللحظة ليست مجرد اكتفاء بحفظ الآثار والتراث، بل إنها تُعيد صناعة السياحة كقوة اقتصادية وانفتاح حضارى. الفرصة أمامنا كبيرة، والإشارات إيجابية للغاية. مصر تملك كل المكونات التى تجعلها مقصداً سياحياً عالمياً، فتاريخنا يمتد آلاف السنين، لدينا شواطئ خلابة، صحارى حضارة، وفى مقدمة كل ذلك إرادة سياسية متجددة.
الآن، مطلوب فقط أن نحول هذه الموارد إلى فرصة سياحية كبرى. فمن يستثمر جيداً فى موارده اليوم، سيجنى حصته غداً، ومصر تستحق أن تكون فى الصدارة فى هذا المجال، ومجالات أخرى، قد يتسع المقام إلى ذكرها فى مواضع أخرى.