بقلم : عبد اللطيف المناوي
كانت العلاقة بين دونالد ترامب وإيلون ماسك ذات يوم مثالًا لتحالف النفوذ والمال، إذ جمعتهما الرؤية الاقتصادية المحافظة، والانحياز للتقنية، وحتى العداء المشترك لمؤسسات الحكم التقليدى.. لكن ما كان يبدو تحالفًا استراتيجيا صلبًا بين الرئيس الأمريكى الثرى وقطب التكنولوجيا الأغنى فى العالم، تفتت فى الشهور الأخيرة ليتحول إلى معركة مفتوحة، وصلت إلى حد تهديد ترامب بترحيل ماسك إلى بلده الأصلى، جنوب إفريقيا.
بداية الخلاف جاءت من حيث انتهت صداقتهما: الاقتصاد.. فمشروع قانون الموازنة، الذى اقترحه ترامب ويتضمن رفعًا ضخمًا فى الإنفاق الفيدرالى، وصفه ماسك بـ«الجنون المدمر» و«الانتحار السياسى»، متهمًا ترامب بخيانة المستقبل لصالح صناعات الماضى. وبالنسبة لرجل بنى إمبراطوريته على السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعى واقتحام الفضاء، فإن مثل هذا القانون يعنى نهاية الحلم التكنولوجى.
ولم يكتفِ ماسك بالهجوم الكلامى، بل هدد باستخدام ثروته الهائلة لإطلاق حزب جديد يشق صف الجمهوريين، وهو ما فُهم كمحاولة لضرب ترامب من قلب قاعدته الانتخابية. ردّ ترامب لم يتأخر: فى تصريحات علنية وأخرى على منصته «تروث سوشال»، سخر من ماسك، وقال إن شركاته ما كانت لتقوم لولا الدعم الفيدرالى، ولو أراد، لأغلق هذا الدعم وأعاده إلى جنوب إفريقيا. وعندما سُئل مباشرة عن ترحيله، قال: «سأنظر فى الأمر».
كان هذا التصريح كافيًا لإشعال العاصفة. فالرئيس الأمريكى يهدد علنًا بترحيل واحد من أبرز رموز الابتكار الأمريكى، الحاصل على الجنسية منذ ٢٠٠٢، والذى يوظف آلاف الأمريكيين فى شركاته. بدا الأمر للبعض وكأنه تصفية حسابات سياسية بأسلوب شعبوى لا يليق برئيس دولة، وللبعض الآخر تحذيرًا صارخًا لأى ملياردير يفكر فى تحدى «الرجل القوى» فى البيت الأبيض.
لكن اللافت فى رد ترامب لم يكن فقط التهديد الشخصى، بل التلويح باستخدام هيئة الكفاءة الحكومية «دوج»، التى أسسها بنفسه وأدارها ماسك قبل استقالته، كسلاح إدارى ضد خصمه القديم. ترامب قالها صراحة: «دوج» هى الوحش الذى قد ينقلب ويقضم ماسك.
ماسك من جهته اكتفى بتغريدة مقتضبة على منصة «إكس»، كتب فيها: «الميل شديد إلى التصعيد. شديد جدًّا جدًّا. لكننى سأحجم عن ذلك راهنًا». تغريدة عكست التوتر وربما الترقب، لكنها لم تُخفِ خيبة أمله فى الرجل الذى سبق أن وصفه بـ«الملك» يوم عودته إلى البيت الأبيض فى يناير الماضى.
قد يكون الخلاف بين الرجلين لحظة عابرة فى زمن الانفعالات السياسية، أو قد يتحول إلى شرخ عميق داخل الحزب الجمهورى وبين أوساط النخبة الاقتصادية فى أمريكا. لكن الأكيد أن «الصداقة» بين ترامب وماسك لم تعد كما كانت، وأن مستقبل العلاقة بين المال والسلطة فى أمريكا يدخل فصلًا جديدًا. فهل يعيد ترامب ماسك إلى بلده.. أم أن المواجهة المقبلة ستكون فى ساحة الانتخابات لا فى رحلات الترحيل؟!.