بقلم : عبد اللطيف المناوي
لا يوجد لاعب عربى، وربما عالمى، استطاع أن يخلق تلك العلاقة الاستثنائية بينه وبين جماهير نادٍ أوروبى كما فعل محمد صلاح فى ليفربول. علاقة لم تُبنَ على عدد أهداف فقط، ولا على بطولات، بل على شىء أعمق بكثير: شعور الجمهور بأن هذا اللاعب جاء من مكان بعيد، وحمل حلمه على كتفيه، وصنع من نفسه أسطورة من العدم، ثم لم يتغير.
لكن الأيام الأخيرة وضعت هذه العلاقة أمام اختبار قاسٍ. فى لحظة غير متوقعة، وجد صلاح نفسه على مقاعد البدلاء للمرة الثالثة، ثم فى قلب عاصفة إعلامية بعد تصريحاته الغاضبة التى قال فيها بوضوح إن النادى «ألقى به تحت الحافلة»، وإن علاقته بمدربه آرنى سلوت انهارت بطريقة لا يفهمها.
جمهور ليفربول صُدم، والصحافة الإنجليزية اشتعلت. لكن وسط كل الصخب، كان هناك شىء واحد لا يحتاج إلى تفسير: صلاح لم يتحدث كلاعب نادبٍ لحظه، بل كإنسان يشعر بأن تاريخه لا يُحترم كما يجب.
منذ أول يوم دخل فيه محمد صلاح ملعب «آنفيلد»، أدرك الجمهور أنه أمام لاعب مختلف. لاعب يلعب بلمعان العين قبل سرعة القدم، يبذل جهداً ليوفّى دين حلمٍ حمَله من نجريج إلى روما، ومن روما إلى ليفربول. وحين رفع دورى الأبطال، وبطولة الدورى الغائب منذ ثلاثة عقود، شعر الجمهور أنه شريك فى صناعة التاريخ لا مجرد محترف عابر.
وهكذا أصبحت العلاقة بين الطرفين علاقة وجدان، لذلك كان طبيعياً أن يثور الجمهور عندما وجد أسطورته تجلس على دكة البدلاء بلا مبرر مفهوم، وتخرج من الملعب بلا تفسير.
فى حديثه بعد مباراة ليدز، لم يكن صلاح غاضباً فقط؛ كان جريحاً. جملة واحدة تلخص ما شعر به «قدّمت لهذا النادى الكثير.. ولا أعرف لماذا يريد أحد أن يجعلنى أتحمل كل اللوم».
كان يتحدث كإنسان، كقائد، كشخص يعرف معنى الولاء. لذلك أثّرت كلماته فى الجمهور أكثر من أى تصريح آخر. كثيرون كتبوا «لا تجعلوا أسطورتنا تغادر من الباب الخلفى».
ولم يكن هذا مجرد دفاع عن نجم، بل دفاع عن قيمة: قيمة أن تظل الأندية وفية لرموزها.
منذ اندلاع الأزمة، امتلأت منصات التواصل برسائل لجماهير ليفربول:
«ليفربول بدون صلاح فريق عادى جداً»
«لن ننسى أن هذا الرجل جعلنا نصدق الحلم»
«كيف يُعامل لاعب صنع تاريخاً بهذه الطريقة؟»
وهنا يظهر عمق العلاقة، الجمهور الإنجليزى يعرف معنى رحلة صلاح. يعرف أنه جاء من بيئة متواضعة، وواجه بأدبه وصبره وأدائه كل موجات الشك، ووقف فى وجه العنصرية، ووصل إلى أن يكون أحد أعظم ثلاثة هدّافين فى تاريخ النادى.
يمتلك صلاح العظيم من المحبة والتقدير بين الجمهور المصرى، لكن الأمر لا يخلو من بعض التناقضات.. ولهذا حديث آخر.