بقلم : عبد اللطيف المناوي
تزخر مواقع التواصل الاجتماعى بحكايات الطلاق والحب والخيانة بين شخصيات عامة وفنانين. وينقسم الجمهور المتابع إلى فرق تؤيد هذا الطرف أو ذاك. «خناقة» ترامب- ماسك تبدو فى ظاهرها مثل تلك «الخناقات». ووصل الأمر بترامب أن يكيد لماسك بالإعلان عن بيع سيارته الكهربائية الحمراء «تسلا».
بدأ التصعيد والضرب تحت الحزام عندما أخذ الخلاف منحى أكثر حدة عندما اتهم ماسك ترامب علنًا بمحاولة إسكات المعارضين وتقويض استقلال القضاء، بل وطرح استطلاعًا حول تأسيس حزب سياسى جديد يمثل «الوسط الأمريكى» فى تحدٍ مباشر للجمهوريين. كما أشار ماسك إلى أنه دون دعمه لكان ترامب خسر الانتخابات، محاولًا إظهار نفسه كصانع رئيسى للانتصار الجمهورى.
فى المقابل، هدّد ترامب بإلغاء العقود الفيدرالية الموقّعة مع شركات ماسك، ولاسيما «سبيس إكس» و«تسلا»، وهو ما دفع الأخير إلى الإعلان- ثم التراجع- عن تفكيك مركبة «دراجون» الفضائية. وتسبب هذا التوتر فى خسائر فادحة للطرفين، حيث فقد ماسك 34 مليار دولار من ثروته فى يوم واحد، فيما هبطت أسهم «تسلا» بنسبة 14٪، وانخفضت قيمة عملة ترامب الرقمية بنسبة 12٪.
ما يجرى بين ترامب وماسك لا يمكن قراءته فى إطار مشروع قانون واحد. بل هو صراع على النفوذ، على مَن يُمسك بمفاتيح إعادة تشكيل الدولة الأمريكية. فترامب يسعى لتكريس سلطته عبر تفكيك المؤسسات التقليدية وخلق طبقة بيروقراطية موالية، بينما يرى ماسك فى نفسه رجل «المستقبل»، الذى يُقوّض النظام القديم ويُعيد بناءه وفق منظوره التكنولوجى- الاقتصادى.
إن الصراع بين الرجلين يعكس أيضًا التوتر داخل التيار اليمينى الأمريكى: بين نخبة «وادى السيليكون» التى تميل إلى الليبرالية الاقتصادية واللامركزية، وقيادة سياسية تسعى إلى الانضباط القومى والمركزية السلطوية. كما أن هذا الانقسام يهدد وحدة الجمهوريين ويعيد رسم التحالفات داخل الحزب، لاسيما مع ظهور أصوات محافظة بدأت تُبدى قلقها من تغوّل ماسك على مؤسسات الدولة.
فى عالم السياسة والمال، لا توجد صداقات دائمة، بل تحالفات ظرفية تحكمها المصالح. وما حدث بين ترامب وماسك هو نموذج صارخ لهذا المنطق. فمن علاقة «رائعة» طغت عليها الابتسامات أمام الكاميرات والتغريدات المتبادلة، إلى مشهد علنى من الاتهامات، والفضائح، والتلميحات بتفكيك الدولة وإعادة بنائها.
يبقى مستقبل العلاقة بين الطرفين رهنًا بالتطورات السياسية القادمة، خصوصًا مع اقتراب انتخابات التجديد النصفى فى 2026، والتحديات الاقتصادية المتصاعدة. أما المؤكد فهو أن ما بدأ كتحالف نادر بين التكنولوجيا والسلطة، قد يتحوّل إلى أحد أكثر الصراعات تأثيرًا فى السياسة الأمريكية الحديثة.
ويبدو أن مسلسل الحب والانتقام مازال فى أوله.