بقلم : عبد اللطيف المناوي
يقف السودان اليوم فى مواجهة واحدة من أخطر كوارثه الإنسانية، إذ أكدت تقارير للأمم المتحدة أن المجاعة أصبحت واقعًا مريرًا فى خمس مناطق سودانية على الأقل، منها مخيمات زمزم والسلام وأبوشوك للنازحين داخليًا، وجبال النوبة الغربية.
ولا تقتصر الكارثة على هذه المواقع فحسب، بل يتوقع أن تتوسع لتشمل مناطق أخرى فى شمال دارفور، مع وجود خطر المجاعة فى 17 منطقة إضافية.
تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، كشف أن أكثر من 637 ألف شخص يعيشون فى ظروف المرحلة الخامسة، وهى أعلى مراحل انعدام الأمن الغذائى وأكثرها كارثية. كما أظهر التقرير أن نصف سكان السودان تقريبًا (أى نحو 25 مليون شخص) يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائى، منهم 15.9 مليون عند مستوى الأزمة، و8.1 مليون عند مستوى الطوارئ.
الأزمة الراهنة صادمة، لكنها بالطبع ليست مفاجئة لمن تابع الحرب السودانية من أول يوم.. فقد أدت هذه الحرب (التى من صنع الإنسان) إلى تقييد وصول المساعدات الإنسانية إلى بؤر الجوع الرئيسية، ما جعل المجاعة والجوع واسع الانتشار السيناريو الأكثر ترجيحًا. الكارثة أن المدنيين يتحملون الكلفة الباهظة لقرارات الحرب اليومية بين أطراف الصراع الأساسية. وتتحمل النساء والفتيات، إضافة إلى الأطفال وكبار السن، النصيب الأكبر من المخاطر المرتبطة بالمجاعة الوشيكة.
الأزمة فى الوضع فى السودان اليوم أنه المكان الوحيد فى العالم الذى تم فيه تأكيد المجاعة، فى تكرار لأحداث مشابهة شهدتها الصومال عام 2011، وجنوب السودان فى عامى 2017 و2020. وكما أظهرت الأزمات السابقة، فإن عشرات الآلاف من الوفيات كانت قد وقعت قبل الإعلان الرسمى عن المجاعة.
الوضع الغذائى فى السودان يتدهور بسرعة مقلقة، فقد أسفر الصراع المستمر والنزوح القسرى عن تعطيل الإنتاج الزراعى على نطاق واسع. وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى أن الخسائر فى المحاصيل الأساسية، مثل الذرة والقمح، خلال العام الأول من الصراع كانت كافية لإطعام نحو 18 مليون شخص لمدة عام!.
ولأن ثلثى سكان السودان يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسى للحياة، فإن هذا الانهيار فى الإنتاج الزراعى ينذر بتفاقم مستويات الجوع وسوء التغذية.
فى مواجهة هذا الوضع، أكدت الأمم المتحدة، فى تقريرها، أن خطة الاستجابة الإنسانية السريعة ستتطلب 4.2 مليار دولار لدعم نحو 21 مليون شخص داخل السودان، إلى جانب 1.8 مليار دولار إضافية لدعم خمسة ملايين لاجئ فى الدول المجاورة، مؤكدة أن المساعدات الغذائية وحدها لا تكفى لاحتواء الأزمة.
الحل المنطقى والناجع هو أن تتوقف الأعمال العدائية، وفتح الطرق أمام الإغاثة الإنسانية دون عوائق، إذ إن تفاقم الوضع الحالى يهدد بإحداث آثار لا رجعة فيها قد تستمر لأجيال، ما يحتم تحركًا جماعيًا وفوريًا على نطاق واسع لتفادى كارثة إنسانية كبرى هى للأسف من صنع الإنسان.