بقلم : عبد اللطيف المناوي
لم يعد تدريس الذكاء الاصطناعى فى المدارس والجامعات رفاهية أو خيارًا إضافيًّا، بل أصبح ضرورة حتمية تفرضها متغيرات العصر وتسارع وتيرة التطور التكنولوجى على مستوى العالم. فى السنوات الأخيرة، شهد العالم طفرة غير مسبوقة فى مجال الذكاء الاصطناعى، حيث أصبح هذا المجال يشكل حجر الأساس فى معظم القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والصناعة، والنقل، والأمن، بل أصبح الذكاء الاصطناعى عاملًا حاسمًا فى تعزيز التنافسية الاقتصادية للدول.
تؤكد التقارير العالمية أن الذكاء الاصطناعى سيعيد تشكيل سوق العمل خلال السنوات القليلة القادمة، حيث ستختفى العديد من الوظائف التقليدية، وستُستحدث وظائف جديدة تتطلب مهارات رقمية ومعرفة بأساسيات الذكاء الاصطناعى والخوارزميات وتحليل البيانات. ومن ثَمَّ، فإن إعداد أجيال قادرة على فهم هذه التقنيات والتعامل معها بوعى وكفاءة هو تحدٍّ تربوى وتنموى لا يحتمل التأجيل.
هذا يفسر الخطوة التى أعلنت عنها الإمارات بالأمس، والتى اعتمدت فيها منهجًا تعليميًّا جديدًا لمادة الذكاء الاصطناعى يشمل جميع المراحل الدراسية بدءًا من رياض الأطفال حتى الصف الثانى عشر، بدءًا من العام الدراسى المقبل. وقد صُممت وحدات هذا المنهج خصيصًا لتناسب الخصائص العمرية والمعرفية للطلاب فى كل مرحلة، ما يعكس وعيًا عميقًا بأهمية ترسيخ المفاهيم التكنولوجية منذ الصغر بطريقة مبسطة وتدريجية.
وليست الإمارات وحدها مَن أدرك أهمية هذه الخطوة، بل انضمت دول عديدة إلى هذا الاتجاه العالمى، فقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية برامج تعليمية للذكاء الاصطناعى فى عدد من الولايات لتعليم الطلاب منذ المرحلة الابتدائية. أما الصين، فقد بدأت منذ عام ٢٠١٨ فى دمج الذكاء الاصطناعى فى المناهج الدراسية، مع إصدار كتب مخصصة للأطفال لتبسيط المفاهيم. وتُعد فنلندا من الدول الرائدة أيضًا، حيث دمجت المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعى ضمن التعليم العام، إلى جانب دورة إلكترونية وطنية لتثقيف جميع المواطنين. أما الهند، فهى تطور مناهج جديدة بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية.
الاستثمار فى تعليم الذكاء الاصطناعى هو استثمار فى المستقبل، ويؤكد ضرورة أن تحذو مصر حذوه بخطوات جادة ومنهجية، فمصر، بما تمتلكه من طاقات بشرية شابة وإمكانيات علمية متنامية، قادرة على بناء قاعدة قوية فى هذا المجال إذا ما تم دمج الذكاء الاصطناعى فى مناهجها التعليمية بشكل مبكر ومدروس.
اعتماد منهج خاص بالذكاء الاصطناعى فى مراحل التعليم المختلفة سيُسهم فى إعداد أجيال من المبدعين والمبتكرين، ويُمكن مصر من مواكبة الثورة الصناعية الرابعة، ويُساعد على سد الفجوة التكنولوجية مع الدول المتقدمة. كما أن نشر الثقافة الرقمية وتنمية مهارات التفكير النقدى وحل المشكلات بين الطلاب منذ الصغر سيُعزز من قدراتهم على التعامل مع تحديات المستقبل بكفاءة.
لم يعد هناك مجال للتردد: تدريس الذكاء الاصطناعى لم يعد رفاهية، بل ضرورة مُلِحّة لبناء وطن قادر على التقدم فى عصر تحكمه البيانات وتوجهه الخوارزميات.