بقلم : عبد اللطيف المناوي
أعاد فيلم «الحرب الأهلية» (Civil War) للمخرج أليكس جارلاند، الذى صدر عام ٢٠٢٤، طرح سؤال كان لفترة طويلة مستبعدًا: هل يمكن للولايات المتحدة أن تنزلق مرة أخرى إلى صراع داخلى مسلح؟ فى ظل المشاهد التى رسمها الفيلم لدولة مفككة تقاتل فيها ميليشيات من ولايات كبرى ككاليفورنيا وتكساس الحكومة الفيدرالية، تبرز مشاهد من الواقع الأمريكى المعاصر، خاصة ما تشهده كاليفورنيا فى صيف ٢٠٢٥ من صدامات عنيفة بين الحرس الوطنى والمتظاهرين، لتجعل السؤال أكثر جديةً من ذى قبل.
فى Civil War، نتابع مراسلين يوثقون حربًا أهلية فى أمريكا منقسمة، حيث سقطت مؤسسات الدولة، وتفكك الإجماع الوطنى، وتحولت بعض الولايات إلى كيانات مسلحة مستقلة. يترك الفيلم أسباب الحرب غامضة، ليُبرز كيف تتفكك الحقيقة فى زمن الانقسام، وتُستخدم الرموز الوطنية فى معارك متضادة.
فى هذا الشهر، يونيو، شهدت مدينة لوس أنجلوس اضطرابات غير مسبوقة بعد تدخل القوات الفيدرالية لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين. سرعان ما تحولت المظاهرات إلى اشتباكات بين محتجين وقوات الحرس الوطنى، وسط دعوات رسمية من البيت الأبيض باستخدام الجيش لقمع ما وصفه الرئيس ترامب بـ»التمرد العنيف». من جهته، وصف حاكم كاليفورنيا التدخل بأنه «استفزاز مدروس»، واتهم واشنطن بمحاولة إشعال أزمة دستورية.
رغم رمزية ما يحدث فى كاليفورنيا، إلا أن نشوب حرب أهلية حقيقية فى الولايات المتحدة يبقى أمرًا معقدًا. نعم، هناك مؤشرات مقلقة. هناك استقطاب سياسى حاد بين الولايات والمركز، وبين الحزبين الجمهورى والديمقراطى. كذلك نلاحظ صعود الجماعات المسلحة والتطرف الداخلى، مع تحذيرات متكررة من أجهزة الأمن الأمريكية من خطر الميليشيات المحلية. والاهم انهيار الثقة بين المواطنين، حيث باتت فئات واسعة ترى فى خصومها السياسيين «أعداءً وجوديين». وظهر بدايات خطاب علنى حول الانفصال، كما هو الحال فى تكساس التى دعت رسميًا لاستفتاء حول الاستقلال.
لكن فى المقابل، هناك عوامل ردع قوية. الجيش الأمريكى موحّد ومرتبط بالدستور لا بالحكومات المحلية. كذلك قوة المؤسسات الفيدرالية والاقتصاد الوطنى، الذى يصعّب عملية تفكك الدولة.
لا يرجّح الخبراء أن الحرب الأهلية القادمة، لكن إن حدثت لن تكون شبيهة بحرب ١٨٦١، بل أقرب إلى «حرب أهلية منخفضة الحدة»: تفجيرات متفرقة، اغتيالات سياسية، مواجهات شوارع بين ميليشيات، وتمردات محلية على السلطة. سيناريو يشبه ما حدث فى أيرلندا الشمالية أو يوغوسلافيا، أكثر منه الحرب التقليدية.
ما بين خيال الفيلم وواقع الشوارع الأمريكية، يقف المجتمع الأمريكى على مفترق طرق خطير. التوتر فى كاليفورنيا قد لا يكون بداية الحرب، لكنه بلا شك يعكس عمق الشرخ فى قلب الدولة الأقوى فى العالم. والسؤال الذى يطرحه الفيلم ويبقى مفتوحًا: هل إدراك حجم الانقسام واضح قبل أن يصبح السلاح هو لغة السياسة الوحيدة؟.