بقلم : عبد اللطيف المناوي
وسط هذا الانقسام فى العالم، يبرز أمامى دائمًا برنامج «الشرق والغرب: فن الحوار» الذى تنظمه وترعاه مؤسسة شفيق جبر، والذى أعرفه عن قرب وأتابع مسيرته، كإحدى المبادرات المهمة التى تجسّد قيمة التفاهم بين الثقافات.
كان من المقرر أن أشارك فى الدورة الجديدة من البرنامج بإلقاء كلمة والاطلاع على تجارب المشاركين، لكن لظرف شخصى لم أستطع. ومع ذلك، فإن مجرد الاطلاع على تفاصيل التجربة جعلنى أعيشها ذهنيًا وأتخيل وقعها على المشاركين. فالفكرة لا تقوم على محاضرات جافة أو شعارات عامة، بل على لقاءات إنسانية حقيقية، يعيش فيها الشباب من مصر والولايات المتحدة معًا، يتشاركون الأيام والرحلات والحوارات، ليكتشف كل طرف أن الآخر ليس غريبًا كما توحى قنوات التواصل وتقارير الأخبار.
ما شدنى فى هذا البرنامج الذى يستقطب سنويًا بين 16 و24 شابًا وشابة، أنه يُعيد الاعتبار لأبسط أدوات بناء الثقة، وهى القرب الإنسانى. تخيّلوا شابة مصرية تحكى فى قاعة بواشنطن عن دهشتها حين وجدت أن الفتيات الأمريكيات يواجهن نفس الضغوط اليومية التى تواجهها فى القاهرة! فى تلك اللحظة ينهار جدار كامل من الصور الذهنية النمطية عن الاختلاف بين الشرق والغرب، ويولد إدراك جديد بأن الهموم مشتركة، وأن الاختلافات لا تلغى التشابهات العميقة. هذا هو «فن الحوار» بمعناه البسيط والفعّال.
البرنامج الذى أعلن عنه فى 2012 لا يكتفى برحلات وحوارات فى مصر مرة وفى أمريكا مرة، بل يُطلب من المشاركين أن يعملوا سويًا على مشاريع واقعية. هذه المشروعات، وإن بدت صغيرة للوهلة الأولى لكنها تحمل أثرًا تراكميًا يتجاوز حدود الزمالة. هى بمثابة بذور تُزرع فى عقول الشباب، لتثمر لاحقًا فى حياتهم المهنية والاجتماعية.
ما أدهشنى أيضًا هو أن الزمالة تحولت خلال أكثر من عقد إلى شبكة من مئات الخريجين، هؤلاء الخريجون يعودون إلى بلدانهم وقد حملوا معهم تجربة إنسانية عميقة، ويستمرون فى التواصل والعمل المشترك. بعضهم صار باحثًا فى مراكز سياسات، وآخرون نظموا ورشًا ثقافية، وغيرهم وجدوا فى التجربة دافعًا لتغيير مسار حياتهم.
ولا يمكن الحديث عن البرنامج دون التوقف أمام شخصية راعية، رجل الأعمال محمد شفيق جبر. قد يراه البعض مجرد مستثمر أو رجل أعمال، لكنه فى الواقع هو شخصية عامة قل أن نجد مثلها. فمن يتابع نشاطاته يدرك أنه حاضر تقريبًا فى كل الأحداث والمنتديات الكبرى حول العالم. من مؤتمرات سياسية وفكرية واقتصادية، إلى منصات الحوارات الثقافية، تجده هناك يقدّم وجهة نظر مصرية وعربية، يستمع إلى تجارب الآخرين بروح منفتحة على العالم. وإيمانه بأن الاستثمار الأهم هو فى الإنسان.
برنامج «الشرق والغرب: فن الحوار» لوحة حية يرسمها شباب من ثقافات مختلفة، يجتمعون ليكتبوا معًا قصة مستقبل أكثر فهمًا وسلامًا.