بقلم : عبد اللطيف المناوي
حين اجتمع ترامب مؤخرًا مع أحمد الشرع (الجولانى سابقًا) فى الرياض، واصفًا إياه بـ«الشاب الجذاب»، لم يكن الأمر زلة لسان، بل نتيجة مسار طويل من «إعادة التأهيل السياسي» الذى بدأ قبل سنوات.
الشرع كان قد غيّر ملابسه، وغيّر لحيته، وغيّر خطابه، واستقبل إعلاميين ودبلوماسيين فى إدلب، ثم انتقل لاحقًا إلى دمشق على وقع انهيار النظام، ليتولى رئاسة سوريا الانتقالية نهاية ٢٠٢٤.
ومنذ ذلك الحين، يُقدَّم على أنه «رجل الدولة الجديد»، الذى يعرف كيف يُدير منطقة فيها أربعة ملايين إنسان، و«كيف يُصالح بين الحكم والشرعية»، وفق تعبير فورد.
وخلال الأشهر الماضية، تحول الشرع إلى وجه بارز للمرحلة الانتقالية فى سوريا، بعد أن وضع خطابه الجهادى خلفه، وبدأ بالظهور بمظهر مدنى.
فى الواقع، لم يكن تحوُّل الجولانى من «زعيم جهادى إلى سياسى معارض» أمرًا حديثًا، «بل تطور بعناية على مر السنين، وكان واضحًا لا فى تصريحاته العامة ومقابلاته الدولية فحسب، بل أيضًا فى مظهره المتغيّر». لكن الملاحظ أن قليلين هم من تغير مظهرهم حوله.
هل نجح؟، ما زال مبكرًا الحكم. لكن الأكيد أن الشرع لم يصل وحده، بل وصل بدعم إقليمى ودولى، ضمن تسوية عنوانها: «من كان يحمل البندقية يمكن أن يحمل الدستور إذا غيّر الخطاب وتقلّب فى الشكل». وهذا رهان لو تعلمون خطير.
ما جرى مع الجولانى ليس استثناءً، بل حلقة من استراتيجية بدأت منذ التسعينيات، ووصلت إلى ذروتها فى السنوات الأخيرة، ومفادها: «ليس كل الجهاديين خطرين بالقدر نفسه»، و«يمكن احتواء بعضهم» إن تم توجيههم، واستيعابهم فى هياكل السلطة أو المجتمعات المحلية. من يتبنى هذا التوجه يعتقدون أنهم يبعدون الخطر عن مجتمعاتهم وليس مهمًا ماذا يحدث بعيدًا عنهم.
الغرب جرّب ذلك مع بعض قيادات السلفية الجهادية فى ليبيا واليمن، وجرّب ما هو أعمق فى أفغانستان مع طالبان. وبينما يبدو ملف طالبان أكثر تعقيدًا، فإن النموذج السورى يُعطى، فى نظر بعض الدوائر الغربية، درسًا فى «تحويل الخصم إلى شريك انتقالى». وهذه الرؤية على محك حقيقى الآن.
السياسة لا تُبنى بالأحكام الأخلاقية فقط. لكن السؤال الجوهرى هو: هل هذا النوع من «الاحتواء» يُنتج استقرارًا حقيقيًا؟.
الغرب، فى كثير من الأحيان، لا يمانع فى التعامل مع من كان «عدو الأمس» إن بات ممكنًا توجيهه. لكن حين يتحول التواصل إلى تطبيع، والتطبيع إلى تمكين، دون رقابة ولا شروط واضحة، فإن العنف قد يعود بأقنعة جديدة. وهذا الخطر أصبح أقرب مما توقع كثيرون.
قد يكون الشرع قد غيّر خطابه، ولكن أى دولة تقوم على هذا النوع من «التدوير» السياسى بلا عدالة ولا مؤسسات؟ هذا هو التحدى الأخطر، وهو ما لم يُجب عنه لا فورد ولا من جاء بعده.
تصحيح: فى مقال أمس ذكرتُ أن فتح قنوات الاتصال كان فى ٢٠٠٣، والأدق أنه كان فى نهاية التسعينيات.