بقلم : عبد اللطيف المناوي
منذ إعلان وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية (كوجات) أن معبر رفح «سيفتح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر»، اشتعل سجال سياسى وقانونى بين القاهرة وتل أبيب، يتجاوز كونه خلافاً فنياً حول تشغيل معبر حدودى، ليصبح معركة على معنى القرار الدولى، وعلى جوهر القضية الفلسطينية نفسها: هل المطلوب تخفيف معاناة الغزيين أم تفريغ غزة من أهلها؟
الرواية الإسرائيلية واضحة: فتح من طرف واحد، وفى اتجاه واحد، لخروج سكان غزة إلى مصر، تحت عنوان «منح الفرصة لمن يرغب فى المغادرة». مصادر إسرائيلية صرّحت بوضوح: «إذا لم يُرِد المصريون استقبالهم فهذه مشكلتهم».
بهذا المنطق تحاول تل أبيب نقل عبء القرار الأخلاقى والسياسى إلى القاهرة: إمّا أن تفتحوا الباب لخروج الفلسطينيين، وإمّا تُتَّهَمون بأنكم تمنعونهم من «النجاة».
فى المقابل، الموقف المصرى كان حاسماً ولا لبس فيه: لا تهجير من غزة، لا جماعياً ولا فردياً مقنّعاً، ولا فتح للمعبر إلا فى الاتجاهين، دخولاً وخروجاً، ووفقاً لما نصّت عليه خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وقرار مجلس الأمن الخاص بوقف إطلاق النار.
مصدر مصرى مسؤول نفى صراحة وجود أى تنسيق لفتح المعبر لخروج السكان فقط، وأكد أن أى اتفاق مستقبلى «سيكون العبور فيه فى الاتجاهين»، وأن مصر «ستستقبل الجرحى والمصابين والحالات الإنسانية، وستسمح بعودة من هم موجودون على أراضيها إلى القطاع، لكنها لن تكون بوابة تهجير مفتوحة».
ما يحدث يمكن اعتباره فخاً للتهجير تحت عنوان «الخروج الإنساني». تتفق فى ذلك القراءة المصرية والفلسطينية أن ما تطرحه إسرائيل واضح، فتح المعبر من اتجاه واحد ليس إجراءً إنسانياً، بل «فخ تهجير».
محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطينى، وصف الفكرة بأنها محاولة لدفع الفلسطينيين قسراً إلى الخروج ومنعهم من العودة، مؤكداً أن «السلطة الفلسطينية ومصر لن تسمحا بتمرير هذا المخطط».
بهذا المعنى، يصبح «الخروج» ليس حقاً إنسانياً مكفولاً للفلسطينى، بل خطوة أولى فى مسار «عبور بلا عودة»، يهدف إلى إعادة إنتاج سيناريو النكبة فى صيغة جديدة، عبر ضغوط إنسانية هائلة، ثم فتح «منفذ نجاة» وحيد باتجاه سيناء.
من هنا يتمسّك المصريون والفلسطينيون معاً بمعادلة مختلفة: الممرات الإنسانية نعم، التهجير لا. فتح المعبر لاستقبال الجرحى وإدخال المساعدات وإعادة من خرج مؤقتاً، أمر مشروع وضرورى؛ أما تحويله إلى بوابة خروج ديموغرافى من طرف واحد فهو خط أحمر مصرى – فلسطينى – عربى.
الجدل بين مصر وإسرائيل حول معبر رفح ليس خلافاً فنياً على آلية تشغيل، بل مواجهة سياسية على سؤال أعمق، هل يُراد لغزة أن تبقى جزءاً من الخريطة الفلسطينية، أم أن المطلوب تفريغها تدريجياً، وتحويل معاناة أهلها إلى مبرر لهجرتهم؟