بقلم : عبد اللطيف المناوي
يواجه لبنان اليوم واحدة من أكثر اللحظات حساسية منذ انتهاء الحرب الأهلية، مع تكليف الحكومة الجيش بإعداد خطة لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام. القرار الذى يأتى بدفع أمريكى واضح وتحت ضغط ميدانى إسرائيلى مستمر، هناك أسئلة جوهرية حول قدرة الدولة على تنفيذه، والسيناريوهات المحتملة، وموقع الحزب فى الحسابات الإقليمية، وخصوصًا فى إطار التفاوض الأمريكى – الإيرانى، وهل يتحول مستقبل الحزب برمته، وليس فقط سلاحه، إلى أحد عناصر التفاوض والمقايضة؟
من الناحية النظرية، يستند القرار إلى وثيقة «الوفاق الوطنى» (اتفاق الطائف) وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار ١٧٠١ الذى يدعو لحصر السلاح بيد الدولة.. إلا أن التطبيق العملى يصطدم بواقع معقد. التوازنات السياسية والطائفية أحد أهم هذه العناصر. الحزب ليس مجرد تنظيم مسلح، بل مكوّن سياسى وكتلة برلمانية مؤثرة، ولديه تحالفات متجذرة مع قوى شيعية ومسيحية ودرزية، ما يمنحه قدرة على تعطيل أو إفشال قرارات حكومية لا تتماشى مع مصالحه.
رغم الخسائر الكبيرة التى منى بها الحزب فى الحرب مع إسرائيل، فإنه لا يزال يمتلك بنية عسكرية واسعة، وخبرة ميدانية، وشبكات أنفاق وبنية تحتية يصعب تفكيكها فى غياب تعاون منه أو ضغوط عسكرية كبرى. هذا ما أجمع عليه المراقبون والمتخصصون.
أما عنصر ضعف الدولة فهو عنصر شديد التأثير فى الدولة اللبنانية التى عانت عقودا من تغول الجماعات والأحزاب والميليشيات على سيادتها وقرارها، وعانت طويلًا، ومازالت، من واقع وجود السلاح خارج شرعية الدولة.
أيضا تعانى المؤسسات من انقسامات داخلية وأزمة مالية عميقة، تجعل أى مواجهة مفتوحة مع الحزب محفوفة بخطر الانهيار السياسى أو الأمنى.
إقليميا، فإن سقوط نظام الأسد فى سوريا وفقدان الحزب عمقًا استراتيجيًا مهما يضعف موقعه، لكنه فى الوقت ذاته قد يجعله أكثر تشددًا فى التمسك بسلاحه كضمانة أخيرة لنفوذه.
هذا الواقع يفتح الباب أمام سيناريوهات محتملة. أول هذه السيناريوهات هو التوصل إلى تسوية تدريجية مشروطة.. قد يقبل حزب الله الدخول فى مسار تفاوضى يربط تسليم السلاح بانسحاب إسرائيل من النقاط الحدودية الخمس، ووقف الضربات الجوية، وتبادل الأسرى، وإطلاق برنامج إعادة الإعمار. هذا السيناريو يتطلب ضمانات أمريكية – فرنسية واضحة، وقد يدمج مصير الحزب فى اتفاق إقليمى أشمل.
السيناريو الثانى هو تعطيل داخلى يؤدى إلى فشل التنفيذ. قد يستخدم الحزب نفوذه السياسى لتعطيل الخطة، ما يؤدى إلى تجميدها عمليًا، خصوصاً إذا استمر الانقسام الداخلى حول الأولويات (وقف إطلاق النار أم نزع السلاح أولًا).
أما إذا حاولت الحكومة فرض القرار بالقوة، وهو ما أعلنته الحكومة وكلفت الجيش بتنفيذه، فقد يرد الحزب عسكريًا، ما يعيد البلاد إلى دائرة المواجهات الداخلية، ويفتح الباب أمام حرب أهلية جزئية أو انهيار أمنى شامل. يتبقى سيناريو حل الوسط ويطرح معه السؤال ما إذا كان سيستسلم الحزب لإيجاد مخرج؟.