بقلم : عبد اللطيف المناوي
بينما يقوم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بجولة مهمة فى عدد من دول الخليج، تشمل المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات، يبدو أن الملفات الاقتصادية تتصدر المشهد (المعلن)، مع التركيز على فرص الاستثمار، وتعزيز الشراكات التجارية، وتبادل الرؤى حول مستقبل المنطقة، وتبادل الإعجاب بما يحققه كل طرف.. غير أن الغائب الأبرز عن هذه اللقاءات حتى الآن هو ملف غزة، رغم ما تمر به من أزمة إنسانية غير مسبوقة، ورغم الإشارات الإيجابية الأخيرة التى أطلقتها حركة حماس، والتى شملت الإفراج عن رهينة أمريكى اعتُقل فى السابع من أكتوبر من 2023.
فلا حديث (معلن) عن هدنة إنسانية، أو جهود لإعادة الإعمار، أو حتى عن آلية للتهدئة تضمن وقف معاناة سكان غزة، رغم ما يفترض أن يحمله هذا الملف من أهمية إنسانية وسياسية على حد سواء. هذه المفارقة تثير تساؤلات مشروعة: هل سيبقى ملف غزة مغيبًا أثناء هذه الزيارة، أم يفاجئنا ترامب بإحدى مفاجآته ويعلن عن حل أو عن طريق للحل؟
من المؤكد أن دول الخليج، التى تستقبل الرئيس الأمريكى الآن، تملك من أوراق التأثير ما يخولها طرح هذا الملف بقوة، وإدراجه ضمن الأولويات الإقليمية. فهى شريك رئيسى فى الاستقرار الإقليمى، وذات ثقل اقتصادى وجغرافى يجعل لها دورًا محوريًا فى صياغة توازنات المنطقة.
الإشارة إلى غزة لا تعنى بالضرورة خلافًا سياسيًا، بل تحمل بُعدًا إنسانيًا واستراتيجيًا أيضًا. فأى حديث عن مستقبل المنطقة لا يمكن أن يكتمل دون معالجة الأزمة الفلسطينية، خاصة فى ظل الأوضاع المأساوية التى تشهدها غزة، والتى تنذر بانفجار إنسانى إن تُركت دون حلول.
اللافت أن وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت عن «قلق» داخل تل أبيب من أن تتصدر غزة طاولة مباحثات ترامب فى الخليج، إلى الحد الذى عبّر خلاله أحد المسؤولين هناك عن خشيته من أن يسمع الرئيس الأمريكى كلمات «غزة، غزة، غزة» فى كل محطة من محطات زيارته، معتبرًا ذلك «غير مفيد لإسرائيل».
هذا التوجس يعكس إدراكًا إسرائيليًا بأن القضية الفلسطينية مازالت حاضرة فى الوعى العربى، وأن هناك فرصة لإعادة تسليط الضوء عليها عبر قنوات دبلوماسية مسؤولة، تضع مصلحة الاستقرار فى المنطقة فوق كل اعتبار.
الزيارة الأمريكية الراهنة تمثل فرصة تاريخية لإعادة التوازن إلى الخطاب السياسى بشأن فلسطين، وفرصة كذلك لدعم الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدة الإنسانية العاجلة، والشروع فى إعادة الإعمار.
لقد آن الأوان لأن يسمع العالم صوت غزة، وأن تُعاد إلى طاولة الحوار، ليس كعبء، بل كأولوية. وإذا كانت لغة المصالح هى السائدة فى المشهد السياسى فإن استقرار غزة ومحيطها يصب فى مصلحة الجميع من الخليج إلى واشنطن.