بقلم : عبد اللطيف المناوي
حين تغيب الألقاب، ويقتصر الأمر على الإنسان ذاته، تظهر القيمة الحقيقية للشخص. هذا ما أثبته الدكتور خالد العنانى، المرشح المصرى لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، فى تاريخه الطويل الملىء بالمواقف الإنسانية، والإنجازات الثقافية، والتقدير الدولى.
فى لحظة حافلة بالمشاعر والدلالات، وقف الدكتور خالد العنانى يتلقى وسام «جوقة الشرف» من رتبة فارس، أرفع الأوسمة الفرنسية، وسط حضور دبلوماسى وثقافى رفيع. ما قاله العنانى فى كلمته بعد التتويج، كان كاشفًا بقدر ما كان شخصيًا: قال إنه عندما وجّه الدعوات لحضور التكريم وجهها لمن يحب أن يشاركه هذه اللحظة، وتوقّع أن يغيب نصف المدعوين لأسباب السفر أو الإجازات الصيفية، إلا أن المفاجأة كانت أن الجميع قد حضر. الدلالة هنا: أن خالد العنانى يملك ما هو أثمن من المنصب أو الشهرة، يملك محبة الناس وتقديرهم له كإنسان، لا كوزير سابق ولا مرشح لمنصب دولى.
على مدار ثلاث سنوات منذ خروجه من المنصب الوزارى، لم يتراجع هذا الحضور الإنسانى، بل ازداد عمقًا وصدقًا.
ترشيح الدكتور خالد العنانى لمنصب المدير العام لليونسكو ليس مجرّد طموح سياسى أو دبلوماسى، بل يمثل تتويجًا لمسيرة طويلة من العمل الثقافى والأكاديمى، ولدور فريد فى بناء جسور الحضارة والحوار بين الشعوب. فالرجل الذى بدأ أستاذًا لعلم المصريات بجامعة حلوان، ودرّس لأكثر من ثلاثين عامًا، لم يكن باحثًا أكاديميًا فقط، بل كان مرجعًا علميًا وثقافيًا، نقل علم المصريات من القاعات الجامعية إلى المحافل الدولية، وأسس لرؤية ثقافية جديدة تزاوج بين التراث والتحديث.
خارج قاعات المتاحف والوزارات، يجسد خالد العنانى شخصية مثقفة، تؤمن بالعلم كأداة للسلام، وتضع الثقافة فى قلب العمل الدبلوماسى. فى كلمته بمناسبة الوسام، أكد أن التحديات التى تواجه العالم اليوم تتطلب العودة إلى «التعليم، والعلم، والثقافة، والتواصل» كوسائل لبناء مستقبل مشترك. دعا إلى أن تتحول التكنولوجيا والمعرفة إلى أدوات للتقريب لا التفريق، وأن يتحول الحوار الثقافى إلى ركيزة للسلام المستدام.
فرنسا التى كرّمته، كانت قد أعلنت منذ نوفمبر ٢٠٢٤ دعمها الكامل لترشيحه لمنصب المدير العام لليونسكو، وعبّر سفيرها فى القاهرة عن قناعة بلاده بأن العنانى يملك ما يؤهله لقيادة المنظمة الأممية فى لحظة فارقة من تاريخ البشرية، بفضل شخصيته التوافقية، ورؤيته الحضارية، وخبرته الممتدة فى مجالات التراث والتعليم والثقافة والتعاون الدولى.
هذا الالتفاف الدولى حول خالد العنانى انعكاس لصورة داخلية أكثر رسوخًا: شخص حفر مكانته فى قلوب الناس، لا بمنصبه، بل بصدقه، وتواضعه، وثقافته، واهتمامه العميق بأن تكون الثقافة جسرًا لا سورًا، وأداة لبناء الوئام لا تغذية الانقسام.
فى زمن تبدو فيه القيادات محصورة بين الشعارات أو المصالح، يطل علينا الدكتور خالد العنانى كصوت عقل وإنسانية، يحمل فى داخله مشروعًا حضاريًا راقيًا، يستحق أن يُصغى إليه، لا فقط فى مصر، بل على مستوى العالم.