بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى زمن مضطرب، حيث تُقاس الثقة بالكلمات، ويصبح الأداء الإعلامى جزءًا من إدارة الأزمات، لا يكفى أن يكون المسؤول فى موقع القرار. بل يجب أن يكون مهيّأً للوقوف أمام الكاميرا، فى لحظة توتر عام، ليحمل عبء الشرح والتفسير، وليجيب عن أسئلة لا تحتمل ارتباكًا أو غموضًا.
ليس كل متحدث جيدًا، ولا كل مسؤول قادرًا على أن يكون وجه الدولة فى لحظة الخطر. هنا تكمن أهمية التأهيل الإعلامى للمسؤولين، كشرط أساسى لحسن إدارة الأزمات. لأن أى زلة فى التعبير، أو تردد فى الرد، أو تناقض فى المعلومات، قد يفتح أبواب الشك، ويضاعف من أثر الأزمة.
التأهيل لا يقتصر على إلقاء الكلمات أو امتلاك نبرة حاسمة. بل هو فهمٌ عميق لعلم الاتصال، وللغة الإعلام، وللسياق النفسى الذى يعيش فيه الجمهور. فالمسؤول لا يخاطب آلة، بل يخاطب قلوبًا قلقة، وأذهانًا تبحث عن إجابات، وعيونًا تراقب لترى من يمسك بزمام الأمور.
يبدأ التأهيل الصحيح بتدريب المسؤولين على فهم طبيعة الإعلام الحديث، وكيفية التعامل مع الصحفيين ووسائل التواصل الاجتماعى، والقدرة على صياغة رسائل واضحة ومباشرة، والرد على الأسئلة الحرجة دون توتر أو غموض. كما يجب أن يكون المتحدث الرسمى — وغالبًا ما يكون أحد أفراد الإدارة العليا — ملمًا بتفاصيل الأزمة، مخوّلًا بالتصريح، وقادرًا على اتخاذ القرار فى اللحظة المناسبة.
المتحدث الجيد يعرف متى يقول الحقيقة كاملة، ومتى يُوجزها، ومتى يصمت احترامًا للغموض المشروع. ويعرف كيف يوازن بين تطمين الناس دون تهوين، وبين الاعتراف بالأزمة دون الوقوع فى الفزع أو الفوضى.
فى لحظات التوتر، كثيرًا ما يصمت الإعلام الرسمى، أو يظهر مرتبكًا، أو تكثر التصريحات من جهات متعددة، فتضيع الرواية الرسمية وسط زحام الأصوات. وهنا، يُفترض أن يكون هناك صوت واحد، واضح، مدرب، موثوق، يتولى التواصل باسم المؤسسة أو الدولة، ويعرف تمامًا ما يقول ولماذا يقوله.
إن تأهيل المسؤولين للتعامل مع الإعلام ليس أمرًا تجميليًا أو علاقات عامة، بل هو جزء أصيل من هندسة الاستجابة الوطنية. الإعلام لا يعمل بمعزل عن القيادة، والقيادة لا يمكنها الصمود من دون خطاب مدروس، وموقف إنسانى، ووجه يعرف كيف يظهر فى الشدة، ويظلّ صادقًا فى النبرة والمعنى.
ما يقوله المسؤول فى دقيقتين قد يكون أثقل أثرًا من تقارير رسمية بأكملها. لذلك، فإن التدريب على الكلام فى لحظة الأزمة، هو تدريب على القيادة نفسها.
لذلك أقولها بقلبٍ مطمئن وآمل أن يقرأ صانع قرار هذا الكلام، إن تأهيل المسؤولين للإعلام وقت الأزمات ضرورة وطنية.
ونستكمل