بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تغيرات جذرية على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية، تبرز العلاقة المصرية الإيرانية كواحدة من الملفات الساخنة، حيث بدأت إشارات واضحة نحو انفتاح محسوب بعد عقود طويلة من الجمود والقطيعة السياسية.
زيارة وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى إلى القاهرة أمس، شكلت ذروة هذا المسار الجديد الذى ربما يتبلور بحذر، ويأتى فى سياق معادلات جديدة تُرسم بعناية فائقة على أنقاض نظام إقليمى تقليدى، قد يكون زمنه قد فات.
زيارة عراقجى، التى جاءت بدعوة من وزير الخارجية المصرى بدر عبد العاطى، لم تقتصر على مجرد لقاءات بروتوكولية نمطية، بل امتدت لتشمل محادثات معمقة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، وعدد من الشخصيات السياسية البارزة فى مصر، فى إشارة واضحة إلى جدية الطرح، ووجود إرادة سياسية لاختبار إمكانيات إعادة صياغة العلاقة بين البلدين.
جدول اللقاءات المكثف عكس إدراك الطرفين لحساسية الظرف الإقليمى، ورغبتهما فى بناء خطوط تفاهم حول قضايا بالغة التعقيد، مثل الوضع المتدهور فى قطاع غزة، مستقبل المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، وأمن الملاحة الدولية فى البحر الأحمر، الذى يثير قلقًا مصريًا متزايدًا فى ضوء هجمات الحوثيين المستمرة.
من المنظور المصرى، لم يعد من الممكن تجاهل دور إيران كقوة إقليمية مؤثرة، مهما كانت الخلافات حول سياساتها. فالقاهرة التى تتحرك انطلاقًا من مبدأ استقلال القرار الوطنى، تسعى إلى بناء علاقات متوازنة لا ترتبط بمحاور أو استقطابات. فى المقابل، ترى طهران فى مصر بوابة أساسية إلى العالم العربى، وعنوانًا لا غنى عنه إذا أرادت إعادة ترتيب حضورها الدبلوماسى عربيًا.
ورغم أن العلاقات بين البلدين ظلت على مستوى مكاتب رعاية المصالح منذ الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، فإن السنوات الأخيرة شهدت تزايد اللقاءات والاتصالات. زيارة عراقجى تُعد التطور الأبرز فى هذا المسار، وتطرح احتمالية رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية إذا تهيأت الظروف الملائمة، خاصة مع تحسن العلاقات الخليجية الإيرانية عقب اتفاق بكين الذى رعته الصين بين الرياض وطهران فى ٢٠٢٣.
اختيار توقيت الزيارة لم يكن عشوائيًا. فقد تزامنت مع وجود المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسى فى القاهرة، مما أثار تكهنات بدور مصرى كوسيط محتمل فى مفاوضات الملف النووى الإيرانى، لا سيما أن جروسى فى المؤتمر الصحفى الذى جمعه مع عبد العاطى أشاد بالدور والجهود المصرية فى الوصول إلى تسوية للملف النووى الإيرانى.
إلى جانب الملف النووى، برز ملف البحر الأحمر بقوة فى المباحثات. فاستمرار استهداف الحوثيين لسفن الملاحة الدولية يهدد حركة التجارة العالمية ويؤثر مباشرة على إيرادات قناة السويس، التى تمثل مصدرًا أساسيًا للدخل القومى.
زيارة عراقجى قد تصبح بداية مرحلة جديدة من العلاقات الحذرة بين القاهرة وطهران، قائمة على مقاربة نفعية قائمة على المصالح المتبادلة.
وهذا حديث آخر نستكمله غدًا.